التنمية الخالية من الكربون

كيشان خوداي [@KishanKhoday], 10 يناير/كانون الثاني 2017

دخل اتفاق باريس حول تغير المناخ حيز التنفيذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر، وذلك عقب التصديق السريع عليه من قبل البلدان حول العالم. ويهدف الإتفاق إلى الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية ما دون الدرجتين (2) المئوية مقارنةً مع مستويات ما قبل العصر الصناعي. وقد يؤدي هذا الأمر إلى تفادي أسوأ الآثار لتغيّر المناخ، إذ أن انبعاثات الغازات الدفيئة المتزايدة تعرض تحقيق أهداف التنمية المستدامة للخطر، مما يهدد بتفاقم الكوارث والفقر وعدم المساواة في كافة أنحاء العالم.

 

يسلط تقرير التقييم الأخير (AR5) الذي أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الضوء على أنه، بغية إبقاء الكوكب في إطار هدف الدرجتين المئوية، علينا تخفيض الإنبعاثات العالمية إلى نصفها بحلول العام 2050 وتحقيق صفر انبعاثات صافية بحلول العام 2100. وينطوي هذا الأمر على تغيير مسار كبير، مع نماذج تنمية جديدة عديمة انبعاثات الكربون كجزء رئيسي من خطة العمل. يشكّل استهلاك الطاقة الثلثين من الإنبعاثات العالمية، لذلك فإن هدف التنمية الخالية من الكربون يتوقّف على تخفيض حدة الطاقة من النمو، وبخاصة في البلدان ذات الانبعاثات الكربونية المرتفعة.

 

ويبرز المغرب، وهو البلد المضيف لمؤتمر الأطراف الثاني والعشرين (COP22) في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، كرائد في العمل المناخي. وقد أطلقت المغرب هذه السنة المرحلة الأولى من محطة الطاقة الشمسية "نور"، التي ستكون أكبر منشأة لتركيز الطاقة الشمسية في العالم عندما يتمّ تشغيلها بالكامل.

 

ونرى أيضًا طموحًا متزايدًا في أجزاء أخرى من العالم العربي، وهي المنطقة ذات المستويات الأعلى للإشعاع الشمسي في العالم. حتى اليوم، كانت القدرة على تحويل هذه الثروة الطبيعية إلى أرباح تنموية لا تزال محدودة، إلا أن هذا الأمر بدأ يتغيّر الآن.

 

تمّ إطلاق المؤشر العربي لطاقة المستقبل 2016 (AFEX)، والذي وضعه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، في مؤتمر الأطراف الثاني والعشرين، وهو المؤشر العربي الأول المخصص لرصد وتحليل التنافسية في الطاقة المستدامة في المنطقة. ويرصد المؤشر التقدم عبر 20 مؤشر، ويصنّف البلدان في المنطقة بحسب الكربون المنخفض وأهداف الطاقة المستدامة، ويقدم التوصيات للإجراءات التي ترفع من مستوى النتائج.

 

وقد لوحظ تطوّر هام في كافة أنحاء المنطقة، حتى في البلدان ذات الدخل المرتفع في الخليج العربي. في زاوية من الكوكب عُرفت لفترة طويلة بأنها عاصمة العالم للنفط وتستضيف أعلى انبعاثات الكربون للشخص الواحد، تبرز رؤية جديدة للعمل المناخي. تتمتّع منطقة الخليج حاليًا بإحدى أسرع معدلات النمو للإستهلاك المحلي للطاقة.

 

ومع غالبية إنتاج الكهرباء المتأتية من محطات التوليد التي تستهلك النفط، قد يضيع أكثر من 300 مليار دولار أميركي من عائدات الصادرات بحلول العام 2030، إذ يتم تحويل النفط بشكل متزايد نحو إنتاج الطاقة المحلية. ويشكك هذا الأمر بمستقبل نموذج التنمية الذي يعتمد على صادرات النفط.

 

بدأت الدول اليوم، ومع الإعتراف المتزايد بالمخاطر الإجتماعية والإقتصادية والبيئية للإعتماد المفرط على النفط، بتبني الفرص التي تنتج عن كون الطاقة المستدامة قطاعًا جديدًا وابتكاريًا وعالي التقنية. على سبيل المثال، صدّقت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على اتفاق باريس قبل مؤتمر الأطراف الثاني والعشرين وجعلتا من المسارات الإقتصادية المنخفضة الكربون ميزة رئيسية لخططهما المناخية الوطنية، أو المساهمات المحددة وطنيًا، لتنفيذ الإتفاق.

 

يركّز برنامج الأمم المتحدة الإنمائي دعمَه، في الإقتصادات ذات الدخل المرتفع والإستخدام المرتفع للكربون مثال تلك الموجودة في الخليج، على تقديم الدعم للسياسات لإعادة ابتكار طرق التنمية لمسار منخفض الكربون. على سبيل المثال، إننا نساعد على إنشاء مراكز امتياز جديدة للطاقة المستدامة في البحرين والكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة. وتساعد هذه المراكز على تطوير السياسات المحلية لتوسيع استثماراتها في الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والحدّ من ازدياد الانبعاثات الكربونية.

 

وقد ساعد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في السعودية، على إنشاء المركز السعودي لكفاءة الطاقة، وهو اليوم مؤسسة رائدة في المملكة في مجال العمل على حلول الطاقة المستدامة والمنخفضة الكربون. أما البرنامج الوطني لإدارة وترشيد استخدام الطاقة في السعودية، وهو برنامج بقيمة 35 مليون دولار أميركي، فهو أحد أكبر مشاريع الطاقة المستدامة التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عالميًا. ونساعد من خلاله على إنشاء المركز الوطني وتطوير قدرته على تصميم قوانين وأنظمة جديدة ووضع خطط عمل لتخفيض كثافة الطاقة من النمو في القطاعات الإقتصادية الرئيسية، وجمع الشراكات العامة-الخاصة الإبتكارية، وزيادة الوعي بين القادة والعامة حول منافع التنمية للحلول المنخفضة الكربون.

 

في الإمارات العربية المتحدة المجاورة، يتم إنشاء منظمة عالمية جديدة للإقتصاد الأخضر (WGEO) في دبي من قبل شركاء محليين. وسوف يساعد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من خلال مبادرة جديدة بقيمة 11 مليون دولار مع المنظمة العالمية للإقتصاد الأخضر، المنظمة الدولية الجديدة لتبرز في السنوات المقبلة كمصدر للتعاون بين بلدان الجنوب لتنمية خضراء ومنخفضة الكربون في كافة أنحاء الجنوب. وستبحث المنظمة العالمية للإقتصاد الأخضر عن حلول جديدة لمشاكل مثال المدن المنخفضة الكربون والترابط بين الطاقة والمياه، كما ستلعب دور المحفز لدور الإمارات العربية المتحدة كشريك عالمي جديد في التنمية المستدامة.

 

استفادت المنطقة العربية، في العقود السابقة، من ثروتها النفطية لتحقيق تقدم سريع في مؤشرات التنمية البشرية، من خلال البنية التحتية الواسعة النطاق وإمكانية الحصول على الصحة والتعليم. وإذ ينظر القادة إلى العام 2030 وإلى مستقبل ما وراء النفط، ترتقي حلول الطاقة المستدامة سريعًا إلى أعلى أجندة السياسات. ويمكن لاتفاق باريس حول تغيّر المناخ، مع تركيزه على الحلول التي تبدأ من القاعدة، أن يشكّل قوةً دافعة للتغيير تدعم الإنتقال في تفكير التنمية والإجراءات المحلية دعمًا لمسار خالٍ من الكربون.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية لمدونة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتمّ ترجمتها إلى اللغة العربية من قبل البوابة العربية للتنمية.

 


كيشان خوداي هو رئيس فريق تغير المناخ والحدّ من مخاطر الكوارث والمرونة، المكتب الإقليمي للدول العربية، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

 


إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

كيشان خوداي [@KishanKhoday] كيشان خوداي [@KishanKhoday]

الأكثر قراءة