الإنفاق الشخصي المباشر على الصحة وأثره على الفقر في البلدان العربية

أحمد رشاد, 28 فبراير/شباط 2017

تعاني العديد من البلدان العربية من غياب منظومة التأمين الصحي الشامل الذي يغطي جميع السكان. في ظل غياب تلك المنظومة، تعتمد العديد من الأسر العربية على الإنفاق الشخصي المباشر على الصحة في حال تعرّض أحد أفراد الأسرة إلى المرض. لذلك يعيش عدد كبير من سكّان المنطقة العربية تحت تهديد مستمر باضطراب أحوالهم الإقتصادية في حالة المرض.

 

كما وتكون الصدمة الصحية أشد وطأة إذا أصابت رب الأسرة الذي يشكل غالبًا مصدر عيش ودخل الأسرة. في الحقيقة، إن المرض لا يؤدي فقط إلى ارتفاع نفقات الأسرة نتيجة لمتطلبات العلاج، كذلك يؤدي إلى انعدام القدرة على العمل وبالتالي تأمين الدخل. وللأسف العديد من البلدان العربية تعاني من العمالة في القطاع غير الرسمي والتى تصل إلى ٦٧٪ في البلدان العربية غير النفطية و٦٪ في البلدان النفطية [1] والذي لا يوفر الإجازة المرضية أو التأمين الصحي أو الاجتماعي.

 

وقد تتجنب بعض الأسر التي تعيش في فقر شديد الذهاب إلى مقدمي الرعاية الصحية نتيجة لعدم القدرة على توفير النفقات الطبية او التكيف معها. والنتيجة أن هذه الأسر تدخل في دائرة مفرغة من الفقر والمرض يصعب الخروج منها.​

 

شكل 1: الإنفاق الشخصي المباشر على الصحة في الدول العربية لعام 2014

graph_2_blog_1.png

المصدر: قاعدة بيانات البنك الدولي

 

يظهر الشكل رقم 1 الإنفاق الشخصي المباشر على الصحة في البلدان العربية لعام 2014 كنسبة من مجموع النفقات على الرعاية الصحية، حيث يتبيّن أن أكثر من نصف الإنفاق على الصحة في مصر والمغرب والسودان واليمن يأتي من جيوب المواطنين، والثلث في كل من موريتانيا والعراق وتونس ولبنان وجيبوتي. كما يظهر الشكل أن الأردن، وهي بلد متوسط الدخل، تمكنت من تقليص حجم الإنفاق الشخصي المباشر على الصحة ليصل إلى مستوى مقارب للبلدان العربية الغنية.

 

المشكلة في حساب معدلات الفقر، أن خطوط الفقر لا تميز بين النفقات الاعتيادية والنفقات الصحية الضرورية.

 

على الرغم من أثر هذه النفقات على الحالة الاقتصادية للأسر في البلدان العربية والمساهمة في إفقارها، إلا أنه لا يتم حسابها في تقديرات الفقر. حيث أن تقديرات الفقر تعتمد على مقارنة الإنفاق الكلي للأسر بخطوط الفقر وإذا فاق الإنفاق الكلي، والذي قد يتضمن النفقات الطبية، خط الفقر لا تُحتسب الأسرة من الفقراء. المشكلة في حساب معدلات الفقر، أن خطوط الفقر لا تميز بين النفقات الاعتيادية والنفقات الصحية الضرورية. على سبيل المثال، قد يعاني أحد أفراد الأسرة من مرض مزمن مثل السكري الذي يحتاج إلى إنفاق دوري للحصول على العلاج، وقد يزيد إنفاقها الكلي عن خط الفقر ولا تُعتبر فقيرة ولا تستطيع الحصول على سيبل مثال على الإعانات الإجتماعية. في حين قد تُعتبر تلك أسرة فقيرة جدًا بعد خصم النفقات الصحية من ميزانيتها. عند تقدير حجم الفقر مع أخذ النفقات الصحية في عين الاعتبار في عدد من البلدان العربية، وجدنا أن النفقات الصحية تتسبب في رفع نسبة الفقراء في مصر بحوالى %3 وفي فلسطين بحوالى ١٢٪ وفي لبنان بحوالى ٤٪ وفي اليمن بحوالى ١.٦٪ وفي تونس بحوالى نصف بالمئه [2-4]. تبخس التقديرات الحالية للفقر في البلدان العربية من حجم الفقر الحقيقى. نحن نحتاج إلى تقديرات فقر جديدة في المنطقة العربية تأخذ النفقات الصحية الضرورية في عين الاعتبار وتحديدًا في بلدان مثل مصر والمغرب والسودان واليمن حيث النفقات الصحية الشخصية المباشرة تشكل عبئًا كبيرًا على المواطنين. كما نحتاج إلى أخد خطوات سريعة نحو التأمين الصحي الشامل. 

 

المراجع

  1. Loayza, N. and T. Wada, Informal Labor in the Middle East and North Africa: Basic Measures and Determinants. Washington, DC: World Bank, 2010.
  2. Rashad, A. and M. Sharaf, Catastrophic Economic Consequences of Healthcare Payments: Effects on Poverty Estimates in Egypt, Jordan, and Palestine. Economies, 2015. 3(4): p. 216.
  3. Elgazzar, H., et al., Who Pays? Out-of-Pocket Health Spending and Equity Implications in the Middle East and North Africa. 2010.
  4. Mataria, A., et al., Catastrophic healthcare payments and impoverishment in the occupied Palestinian territory. Applied Health Economics and Health Policy, 2010. 8(6): p. 393-405.​

​​


أحمد رشاد باحث في اقتصاديات التنمية، اقتصاديات الصحة، والاقتصاد القياسي التطبيقي. حاصل على درجة الدكتوراه في التنمية الاقتصادية وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية في الصحة.

 


إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

أحمد رشاد أحمد رشاد

الأكثر قراءة