رسالة إلى صانعي السياسات في المنطقة العربية: معالجة تفاوت الدخل للحدّ من الفقر المالي في المنطقة العربية

دوني القسطا, 12 يوليو/تموز 2017

يتفق اقتصاديو التنمية على أن الحدّ من الفقر يتطلب مجموعة من السياسات التي تعزّز النمو وتقلّص من انعدام المساواة. من ناحية، يُعتبر النمو الاقتصادي المستدام، منذ زمن طويل، ضرورياً للحد من الفقر الثابت، وذلك عملا بالقول المأثور "ارتفاع المد يرفع جميع القوارب". ومن ناحية أخرى، لا يعتبر الحدّ من أوجه عدم المساواة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي هدفًا للتنمية الأخلاقية فحسب، بل يعتبر أيضاً بشكلٍ متزايد كـ " مقوّم اقتصادي جيد"[i]، ويعتبر تطبيق العكس مكلفاً على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.[ii]

 

لاستكشاف المساهمات النسبية لآثار النمو والتوزيع على الحدّ من الفقر في المنطقة، طبّقت إحدى منهجيات إعادة توزيع النمو الواردة في الأبحاث والمؤلفات السابقة على مصر والمغرب وتونس خلال الفترات 1995-2008، 1998-2007، و1995-2010، على التوالي.[iii] تظهر النتائج في حالة مصر، أنه تم تقليل الفقر بفعل تأثيرات النمو وإعادة التوزيع على حد سواء؛ بينما ساهم عامل تقليص انعدام المساواة في المغرب وتونس (15٪ و 35٪ على التوالي) بشكلٍ أقل من عامل النمو في تقليل الفقر. بالتالي، بينما يشكل النمو عاملا أساسيًا في التقليل من الفقر، فإن تخفيض عدم المساواة يعزز من أثر النموّ.

 

ولمزيد من دراسة ديناميات الفقر وعدم المساواة والنمو في المنطقة، استخدمت أكثر من 30 مسحًا موحّدًا للأسر المعيشية (شملت مصر والأردن والمغرب وفلسطين وموريتانيا وتونس واليمن في التسعينيات والعقد الأول من الألفية)[iv] لاستكشاف العلاقات المحتملة بین التوجھات في متوسط استھلاك الأسرة والتغیرات في عدم المساواة النسبي (الذي يُقاس بالتغیرات النسبیة السنویة في نسبة بالما)[v]، ومقاييس مختلفة للفقر (وأعرض من بينها المؤشر العددي للفقر حسب خط الفقر الدولي عند 2 دولار أمریکي و 3 دولار أمریکي وذلك بحسب مماثلات القوة الشرائية لعام 2005).

 

يبيّن هذا التمرين الذي أجريته أنه عند خط الفقر الدولي البالغ 2 دولار أمريكي، ترافقت في بعض الحالات حلقات عديدة من النمو المنخفض مع انخفاض بارز في معدلات الفقر، ودُعم هذا التقليص في الفقر بانخفاض عدم المساواة النسبي. والأهم من ذلك أنه عندما لم تؤدّ زيادة متوسط الاستهلاك إلى الحد من الفقر، فقد ترجم ذلك بشكل عام بازدياد عدم المساواة النسبي. وما يثير الاهتمام هنا هو عدم وجود صلة واضحة بين النمو وتقليص الفقر عند خط الفقر البالغ 2 دولار أمريكي. ولكن يكشف رفع خط الفقر إلى 3 دولار أمريكي (بحسب مماثلات القوة الشرائية لعام 2005) أن زيادة النمو قد أدت بالفعل إلى تقليص الفقر، ولكن فقط لهؤلاء الذين يعيشون بين 2 دولار أمريكي إلى 3 دولار أمريكي في اليوم، ما يشير إلى أن زيادة النمو قد يكون لصالح الفقراء وليس الأكثر فقراً. وأخيرًا، في حين أدت معظم حالات تراجع النمو إلى زيادة عدد الفقراء، ترافقت بعض هذه الحالات مع انخفاض الفقر وعدم المساواة النسبية على حد سواء، ما يعني أن تراجع النمو قد كان لصالح الفقراء نسبيا خلال هذه الحلقات.[vi]

 

وفي بحث آخر، حاولت استكشاف مدى تأثير كل من النمو وعدم المساواة على الحد من الفقر وذلك مع خروج البلدان من الفقر (الشامل).[vii] بعبارة أخرى، هل تؤثر تطورات النمو وعدم المساواة على تقليص الفقر بشكل مختلف مع تطوّر البلدان؟ تبين نتيجة هذا التمرين أنه عند خط الفقر البالغ 3 دولار أمريكي في اليوم في مصر والأردن وموريتانيا وتونس، وعلى مدى 17 حلقة في التسعينيات والعقد الأول من الألفية، ومع انخفاض معدل انتشار الفقر، يصبح تخفيض الفقر أكثر استجابة لسياسات الحد من عدم المساواة مقارنة مع سياسات زيادة النمو.

 

باختصار، تبعث البيانات والمؤلفات المتعلقة بحساب النمو والفقر وعدم المساواة رسالة واضحة إلى صانعي السياسات في المنطقة العربية: على الرغم من أهمية الحفاظ على النمو الاقتصادي ، ينبغي أن يكون الحد من تفاوت الدخل أولوية في سبيل الحد من الفقر المالي.

 

[i]  انظر دراسة كريستين لاغارد "إن الحد من عدم المساواة المفرطة ليس مناسباً أخلاقيا وسياسيا فحسب، بل مفيد للاقتصاد الجيد"، التي تتناقض تماماً مع دراسة آن كروجر لعام 2003 "يجب على المرء أن يتساءل حول هذا الانشغال بعدم المساواة. فإن الفقراء في حاجة ماسة إلى تحسين ظروفهم المادية من حيث القيمة المطلقة بدلا من زيادة توزيع الدخل. وبالتالي، يبدو أنه من الأفضل التركيز على الفقر أكثر من التركيز على عدم المساواة ".

[ii] انظر ج. ستيغليتز (2012) قيمة عدم المساواة. NY: نورتون وج. غالبريث (2012) عدم المساواة وعدم الاستقرار. مطبعة جامعة أكسفورد.

[iii] منهجية من اقتراح شوروكس (1999). انظر أ. ف. شوروكس (1999) "إجراءات التحلل للتحليل التوزيعي: إطار موحد استنادا إلى قيمة شابلي "، ميميو.

[iv] البيانات مأخوذة من قاعدة بيانات بوفكال نيت (PovcalNet) الصادرة عن البنك الدولي حول المسوحات الموحدة للأسر المعيشية.

[v] إن نسبة بالما، هي مؤشر تركيز الدخل (أو الاستهلاك) وتعرف بأنها نسبة حصة الدخل القومي العائدة إلى أغنى 10٪ من السكان مقسومة على التوزيع العائد لأفقر 40٪ من السكان. 

[vi] تعتبر الحلقة هنا كالفترة الزمنية بين مسحين للأسر المعيشية.

[vii] انظر ب. أولينتو، ج. إيبارا وج. سافيدرا-شاندوفي (2014). تسريع الحد من الفقر في عالمٍ أقل فقراً. ورقة العمل رقم 6855 لبحوث السياسة العامة للبنك الدولي.

 


دوني القسطا مختص في مجال الفقر والطاقة والبيئة، يتمتع بخبرة مهنية مدتها 18 عامًا في مجال الاستشارات، والأوساط الأكاديمية ومراكز البحوث، ومنظومة الأمم المتحدة منذ عام 2011، حيث شغل العديد من المناصب والمهام خصوصًا مع لجنة للأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

 


إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

 


ملاحظة للقرّاء من البوابة العربية للتنمية: لمزيد من المعلومات حول المنهجية التي اعتمدها دوني القسطة، يمكنكم الاطلاع على الدراسة القادمة بعنوان "الفقر والنمو وعدم المساواة في المنطقة العربية: نظرة جديدة على ما قبل الربيع العربي وبعض التجارب الفكرية حتى العام 2030" والتي ستنشر قريبًا على البوابة العربية للتنمية حصريًا.

دوني القسطا دوني القسطا

الأكثر قراءة