الدروس المستفادة من شراكات القطاعين العام والخاص في البنى التحتية في العالم العربي: قصة تحذيرية – الجزء الثالث
فحص الواقع: ليس جميع مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في العالم العربي تاجحة. لقد أعاقت بعض العوامل المشاريع الأقل نجاحًا، كاختيار ترتيبات الشراكة والتجربة العالمية المحدودة لبعض القطاعات؛ والضمانات الحكومية غير الكافية في ظل غياب الأحكام التنظيمية والقانونية الملائمة، هذا إلى جانب خطر ارتفاع الطلب؛ وغياب الاستعداد من جانب الجهات الحكومية؛ وضعف التنسيق بين الوزارات.
ويقدم مشروع "حفظ مياه الدلتا الغربية وإعادة تأهيل الري" الحديث للبنك الدولي في مصر، بعض الدروس المفيدة. الدلتا الغربية هي منطقة زراعية مستصلحة ذات محصول زراعي هام، وقد أدى تكثيف الزراعة التجارية مؤخراً الى استنزاف مواردها من المياه الجوفية بشكل كبير، وإلى تدهور في نوعية الأرض. بالتالي، إن هدف المشروع تأمين مصادر مياه سطحية كبديل للمياه الجوفية المتناقصة.
واختير نموذج " التصميم-البناء-التشغيل" للشراكة بين القطاعين العام والخاص لنظام الري، مع تأمين دعم مؤسسي له. واشتمل نموذح الشراكة بين القطاعين العام والخاص على عقد طويل الأمد على المياه (وصولاً الى ثلاثين عامًا) بين المزارعين والمشغل من القطاع الخاص. واعتمد الحجم المحدد للمخطط على استعداد المزارعين للدفع لقاء الشبكات وتعريفات المياه، كما حدّدها تصميم نظام الري بالأنابيب. ويشير تقييم المشروع الى أن نموذج "التصميم-البناء-التشغيل" كان ملائمًا من الناحية التقنية، على الرغم من تواضع التجربة في هذا المنهاج إن كان على الصعيد العالمي أو في مصر. في المقابل، اعتمد مشروع شراكة بين القطاعين العام والخاص مشابه في المغرب (مشروع غاردان للري الخاص) تصميمًا أكثر بساطة.
وفي إطار نموذج "التصميم-البناء-التشغيل"، تولى القطاع الخاص أمر مخاطر النمو، فيما تطلب الأمر التزام مالي أقل نسبيًا سلفاً. أما الحكومة المصرية، فرفعت بدورها إيرادات الديون وخَفّضت التبادل الخارجي والتمويل ومخاطر الائتمان. وكان من المتوقع أن يؤمن مستثمرو القطاع الخاص 15 في المئة من الأسهم – في مستوى أقل بكثير من تمويل القطاع الخاص للمشاريع التقليدية – وطلب منهم أن يدفعوا رسمًا سنويًا محددًا مسبقاً لمدة الامتياز. أفضى هذا المخطط إلى تكاليف أقل وتعريفات يمكن تحملها أكثر من قبل المزارعين.
ومع ذلك، افتقد المشروع إلى عدد من العناصر المكملة كانت ستسمح لمستثمري القطاع الخاص بتقييم أفضل لمصادر الإيرادات المستخدمة لدفع رسوم الامتياز، ولموازنة أسهم الاستثمار، وتسديد بدل تشغيل وصيانة أنظمة التزويد بالمياه. كما سبّب غياب قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص والقصور في تصميم المشروع بعض الشكوك. كما أنَّ حجم المشروع لم يحدد مسبقًا، حيث منع ذلك المستثمرين من تقدير كافٍ للتكاليف المالية بدقة، بناءً على الطلب على المياه. وزاد هذا الشك بدوره المخاطر، وحال دون مشاركة مستثمرين محتملين. فضلاً عن عدم إمكانية تقدير تعرفة المياه في العقد بين المشغل والمزارع مسبقاً. كما ظهرت مسألة أخرى، في ما يتعلق بتناقض ملكية وتسجيل الأرض؛ إذ إن ليس كل المزارعين يملكون سندات بملكية أرضهم، والأراضي لم تكن جميعها مسجلة. وعلى أيّ حال، كانت ودائع المزارعين وتعريفات المياه ستُحتسب على أساس منطقة الري، وكان المزارعون بحاجة إلى سند ملكية الأرض للدخول في العقد. فضلاً عن اضطرار بعض المزارعين إلى رفع رأس المال لدفع العربون وتسديد الرسوم المسبقة، ولكن المصارف التجارية طلبت إثباتاً على سند الملكية من أجل القروض.
ومن المشاكل الأخرى نذكر الضمانات الحكومية غير الكافية لمعالجة الخطر على صعيد الطلب، وفشل المشروع في تقدير قدرات الوكالات الحكومية، وضعف التنسيق بين القطاعات، إلى جانب التدخل غير الكافي لوزارة المال ووزارة التعاون الدولي.
لقراءة الجزء الأول، الجزء الثاني
هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية
جوليا دفلين زميلة غير مقيمة في برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية في معهد بروكينغز. عملت سابقًا كمستشارة في مجموعة البنك الدولي ومحاضرة في الاقتصاد في جامعة فيرجينيا. يتركز عملها على التنمية الاقتصادية، تنمية القطاع الخاص، الطاقة، والتجارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. حاصلة على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.