إصلاح نظام دعم الأسعار في تونس

سفيان غالي - الكاتب المشارك: سامي رزغوي, 05 مارس/آذار 2015

بدأ تاريخ تونس مع الدعم المالي الحكومي في العام 1970، ولكنه تطور بسرعة في السنوات القليلة الماضية. ويُطبق دعم الأسعار على كثير من الأطعمة الأساسية كالحبوب (القمح القاسي، وقمح الخبز، والشعير، والذرة)، والحليب، والسكر، وصلصة الطماطم، وزيوت الطهي (باستثناء زيت الزيتون). كما أنّ الدعم يغطي منتجات الطاقة، بما فيها منتجات النفط المكرر، والغاز الطبيعي، والكهرباء. وعلى الرغم من نمو مستويات الدعم بشكل كبير منذ الثورة، كوسيلة للتخفيف من الضغوطات الاجتماعية، فإن نظام الدعم الحالي متردٍ وغير عادل.

 

التكاليف الحالية للدعم

 

احتوى دعم الأسعار على الأطعمة والطاقة الضغوط التضخمية في تونس، وساهم بشكل جزئي في حماية قدرة المستهلك الشرائية. ولكن كان له أيضًا تأثيرات سلبية على ميزانية الحكومة، مدخلاً شوائب اقتصادية واجتماعية جمّة.

 

وقد تضاعفت تكاليف الدعم في تونس إلى 5.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2013 (فوصلت الى أكثر من 4,200 دينار) من 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2010 (1,500 مليون دينار). ويمثل الدعم اليوم 30 في المئة من نفقات الميزانية. كما وصلت كلفة دعم الطاقة تحديداً إلى ثلاثة أضعاف من معدل 0.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي قبل 2010 الى 2.8 في المئة عام 2012. وخلال ثماني سنوات فقط، ارتفع دعم أسعار الطاقة 15 مرة من 200 مليون دينار عام 2004 الى أكثر من 3,000 مليون دينار في عام 2012.

 

دعم الأسعار: غير عادل وغير فعال اجتماعياً

 

من ناحية أخرى، دعم الأسعار الموجود في تونس ليس مكلف فقط، بل أيضاً متردي وغيرعادل وغير فعال على الصعيد الاجتماعي، إذ إنّه يفيد الشرائح الأغنى من الشعب، مقارنة مع الفقيرة منها، ويفرض التفاوت. ويرجح البرهان التجريبي أن العائلات التي تتمتع بمدخول أعلى، تستفيد من دعم أسعار المنتجات الغذائية أربع مرات أكثر من العائلات ذات الدخل المنخفض.[1] كما أن دعم أسعار الطاقة غير فعّال، وتحديداً في دعم الفقراء، بما أن المستهلكين الأغنياء يحصلون على الفوائد الكبرى من هذا الدعم. حتى أن العائلات صاحبات الدخل المرتفع تستفيد من دعم أسعار الطاقة حوالى 40 مرة أكثر من العائلات ذات الدخل المنخفض.  

 

من ناحية أخرى، يسيء دعم أسعار الطاقة إلى تقسيم الموارد من خلال تشجيع الاستهلاك الكبير للطاقة، وتقليص الحوافز للاستثمار في الطاقة المتجددة، وتسريع نضوب الموارد الطبيعية. ولكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، على اعتبار أن تونس اليوم تعاني من عجز كبير في الطاقة، على عكس السنوات الماضية حين كان العائد النفطي مصدراً أساسياً للتبادل الخارجي. وكما في أوائل عام 2000، بدأ استهلاك الطاقة يتجاوز الموارد المحلية وفي عام 2011، كان العجز يعادل حوالى المليون طن من النفط.

 

إصلاحات الدعم

 

تخطط السلطات التونسية لتقليص الدعم العام للأسعار، وسحب تدريجياً دعم الطاقة المكّلف، إذ سيعتمد الإصلاح الحكومي على عوامل أساسية عدة، تتضمن الإنشاء المشترك لشبكة أمن اجتماعي هادفة تستهدف في عملها المجموعات الضعيفة والفقراء، وإعادة وضع آلية تحديد أسعار لمنتجات البترول والديزل وسعر ينافس الأسعار العالمية، وتطوير فعالية الخدمات العامة لتقليص استنزاف الدعم الذي فرضوه على ميزانية الحكومة.  

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


 [1] معلومات مستقاة من استطلاع العائلات عام 2005 في تونس.

 


سفيان غالي أستاذ الاقتصاد وعميد المدرسة العليا للعلوم الاقتصادية والتجارية في جامعة تونس. متخصص في مجالات المنظمات الصناعية والاقتصاد الدولي. له منشورات متخصصة في مجلات دولية، ساهم في العديد من الدراسات لوكالات وطنية تونسية ومنظمات مثل ITCEQ وIACE ومنظمات دولية مثل البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وبنك الاستثمار الأوروبي، FEMISE، منتدى البحوث الاقتصادية، وشبكة التنمية العالمية. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.


سامي رزغوي استاذ في جامعة منوبة في تونس. متخصص في مجالات سياسات الاقتصاد الكلي، الاقتصاد الدولي، اقتصاديات الصناعة وسياسة الابتكار. مؤلف العديد من البحوث المنشورة في المجلات الدولية وهو أيضًا مستشار ومساهم في تقارير مختلفة لوكالات دولية (ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، البنك الدولي، FEMISE، معهد البحر الأبيض المتوسط) ومؤسسات وطنية (معهد الدراسات الكمية، المعهد العربي لمدراء الأعمال، وزارة التجارة، وهيئة ترويج الاستثمار). حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

سفيان غالي - الكاتب المشارك: سامي رزغوي سفيان غالي - الكاتب المشارك: سامي رزغوي

الأكثر قراءة