استحقاقات الموظّفين في العالم العربي

زافيريس تزاناتوس, 17 فبراير/شباط 2015

أقدمت معظم الدول العربية منذ العام 2010، ومنها تلك التي لم تتأثّر ظاهرياً بالثورات والاضطرابات، على طرح استحقاقات للموظفين أو تطويرها، وعلى نطاق أوسع حماية اجتماعية. وكانت هذه التغييرات قد جاءت إضافية إلى إجراءات سابقة بدأ العمل بها بعد الأزمة المالية عام 2008. لكنّ الاستحقاقات الاجتماعية الأخيرة كانت ردة فعل ومؤقتة في أفضل الأحوال، بدل أن تكون جزءًا من رؤية واستراتيجية إنمائية واضحة وطويلة الأمد لتحقيق الحماية الاجتماعية. ومع أنّه يمكن فهم الضغوطات السياسية على المدى القصير، إلا أن منهجية خلق الوظائف، وتحديد بنية الاستحقاقات ومستوياتها، يجب أن تكون جزءًا من برنامج اقتصادي واجتماعي شامل، والأهم هو أنه يجب أن تعزّز التنمية المستدامة والشاملة.

 

الحماية الاجتماعية واستحقاقات التوظيف: تاريخ وجيز

 

لطالما توفّرت الحماية الاجتماعية في العالم العربي من خلال الوظائف الحكومية التي تضمن الاستقرار في العمل، والحصول على استحقاقات الصحة والأمومة، ومعاشات التقاعد. وما زال هذا النموذج مستمرّاً بأشكال متعدّدة في بضع دول مجلس التعاون الخليجي، لكنه بدأ يشهد تغيّرًا في دول عربية أخرى منذ تسعينيات القرن الماضي. أما ارتفاع نسبة البطالة بين العرب الشباب الباحثين عن وظيفة، لا سيّما حملة الشهادات العليا، فمردّه على الأقل إلى "الانتظار ضمن صفوف" طوعاً ريثما يحصلون على وظيفة في القطاع العام، عوضاً عن قبول وظيفة في القطاع الخاص، وذلك بسبب التفاوت في قيمة الأجر، والوظائف، والاستحقاقات.

 

لكن خارج نطاق القطاع العام ونسبة بسيطة من قطاع العمل الخاص الرسميّ، يبقى القسم الأكبر من الموظّفين والمواطنين غير خاضعين للحماية. وكان من المفترض أن يستفيد العمّال المهمّشون والفئات الفقيرة والضعيفة من نظام معمّم نوعاً ما يشمل تأمين إعانات مالية مختلفة لشراء المواد الاستهلاكية. غير أنّ الأدلة التجريبية أظهرت أنّ الفئات غير الفقيرة امتصّت هذه الإعانات بشكل أساسي، في وقت تمّ فيه تسديد مصاريف مالية كبيرة، مما حال دون ارتفاع نسبة النفقات العامة على الخدمات الاجتماعية.

 

مرحلة صنع السياسات

 

مع أنّ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي منطقة ذات مدخول متوسط بشكلٍ غالب، إلا أنها تؤمّن أدنى مستوى من التغطية على صعيد منافع العجز، والإصابات أثناء العمل، والمرض، وإجازة الأمومة، والبطالة، والاستحقاقات الأسرية، فضلاً عن الرواتب التقاعدية، وذلك على الرغم من توجّه نحو توسيع نطاق التغطية. على سبيل المثال، في العام 2011، أضاف الأردن العاملَ لحسابه الخاص إلى خطة الضمان الاجتماعي، مدرجًا إياه ضمن الشروط نفسها المنصوصة على الموظّفين.

 

وأصبح اليوم تأمين التناسق بين سياسات العمل والسياسات الاجتماعية والاقتصادية أكثر أهميّة من ذي قبل، منذ تحوّل مسؤولية خلق الوظائف في العالم العربي إلى القطاع الخاص. لكن ما زالت الحاجة تدعو إلى المزيد من التنسيق. فالحماية الاجتماعية في المنطقة تميل إلى أن تكون مجزّأة في ظلّ وجود أنواع مختلفة جداً من البرامج.

 

أجندة غير مكتملة

 

ما زالت دولة عربية عديدة قاصرة عن تقديم مجموعة استحقاقات مترابطة إلى العاملين فيها، وبشكل عام إلى مواطنيها. فمع ابتعاد حكومات المنطقة عن تأمين الحماية الاجتماعية "من خلال الوظائف الحكومية" وتوجّهها نحو تحسين "شبكات الأمان الاجتماعي" الخاصة بها، وتحسين "الحدّ الأدنى للحماية الاجتماعية" فيها، تواجه تحدّيات ملحوظة تتمثّل بتوسيع نطاق التغطية، وتعزيز الفعالية، وإحقاق العدل، مع الحفاظ على استدامة النفقات العامة، كلّ ذلك في الوقت عينه.

 

إلى جانب الخدمات الصحية التي لا تندرج مباشرةً تحت غطاء سياسات العمل، تعتبر معاشات التقاعد العنصر الأهم من استحقاقات الموظّفين ومصاريف النفقات العامة على السواء. وتكون خاضعة لزيادة سواء في ما يتعلق بنسبة الإعالة النظامية - أي نسبة المتقاعدين على المساهمين - ونسبة إعالة المسنّين - أي نسبة المسنّين على الأشخاص في سنّ العمل. ومن الإجراءات المعتمدة لمعالجة هذا الأمر: رفع السن الأهلية للتقاعد؛ وتحسين إدارة احتياطيات التقاعد، بما في ذلك تفادي تحويل الأموال لدعم نشاطات حكومية أخرى؛ وتقليص الفارق بين المخططات الحكومية والخاصة، والأفضل إنشاء نظام تقاعد موحّد لجميع الموظّفين. من وجهة نظر الموظّفين، يجب أن تكون معاشات التقاعد قابلة للنقل، وأن تكون مقترنة بمؤشّر للحفاظ على القيمة الحقيقية للاستحقاقات بمرور الزمن، بعيدًا عن التدخلات الحكومية.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


زافيريس تزاناتوس مستشار دولي للاستراتيجية والسياسة مقيم في لبنان. كان سابقًا رئيس وأستاذ قسم الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت. مستشار سابق لمنظمة العمل الدولية، وقد شغل منصب مستشار للمدير الإداري للبنك الدولي، حيث كان أيضًا مدير الحماية الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك مدير البرنامج العالمي لعمالة الأطفال الذي كان المبادر لإنشائه. تشمل مؤلفاته 14 كتابًا ودراسة، وأكثر من 200 تقارير وأوراق بحث في مجالات اقتصاديات العمل، التعليم، الجندر، وعمالة الأطفال، وبشكل أوسع، السياسات الاجتماعية واستراتيجية التنمية. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

زافيريس تزاناتوس زافيريس تزاناتوس

الأكثر قراءة