الاستحقاقات بخلاف الأجر

زافيريس تزاناتوس, 06 مارس/آذار 2015

تعتبر الأجور عنصرًا أساسيًا من عناصر تأمين مدخول العمل والموظّفين. لكن قد تكون الأجور متدنّية إلى درجة تحول دون تمتّع الموظّفين بمعايير معيشة مقبولة اجتماعيًا، كما يمكن أن تكون الوظيفة غير آمنة أو أنها تضرّ بصحة الموظّف على المدى الطويل. وعلى المدى الطويل أيضاً، قد يختبر العاملون حالةً من انعدام الأمان عند بلوغ سنّ الشيخوخة. فضلاً عن ذلك، على امتداد دورة الحياة، قد يتأثّر قرار الإنسان بشغل وظيفة، وتتبدّل كثرة أعباء العمل المطلوبة، بتبدّل الظروف الأسرية، مثل وصول المرأة إلى مرحلة الأمومة. كما أنّ البطالة تعتبر من الأخطار الأخرى التي قد يواجهها معظم الموظّفين في مرحلة معيّنة من حياتهم. نتيجة لذلك، يمكن أن يحصل الموظّفون على بعض الاستحقاقات لأسباب تتعلق بالبطالة، الأمومة، المرض، الإصابة، العجز، الأسرة، وضمان الشيخوخة.

 

بشكلٍ عام، أظهرت الخبرات الدولية ضرورة عدم دراسة الاستحقاقات المرتكزة على الوظيفة بمعزلٍ عن غيرها، بل يجب أن تكون جزءًا من نظام حماية اجتماعية شامل، ومناسب، ومستدام مالياً، يقلّص من حوافز العمل السلبية. في هذا الإطار، يجب تحديد الأهداف الواضحة والحلول الوسطى، مثل تخفيف حدّة الاستهلاك، وتأمين الضمان، والحدّ من الفقر، وإعادة التوزيع.

 

استحقاقات البطالة

 

منذ الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في العام 2008، أعيد إدراج استحقاقات البطالة على جدول الأعمال. يمكن تمويل هذه الاستحقاقات من جدول الرواتب، أو التمويل الحكومي، أو من الاثنين معًا. في بعض الدول، وحدهم أرباب العمل يدفعون هذه الاستحقاقات. في هذا الإطار، من الضروري تحديد ظروف أهلية صارمة وعادلة في الوقت نفسه، مع الإشارة إلى أنّ العديد من الخطط تتضمّن "اختبار توظيف" للتأكد من استعداد الشخص العاطل عن العمل لقبول وظيفة. في العادة، يُحدّد مستوى استحقاقات البطالة كنسبةٍ من الأجر الذي كان العامل يحصل عليه قبل أن يصبح عاطلاً عن العمل، وتنخفض هذه النسبة مع الوقت؛ كما يمكن أن تكون مدّة الدفع محدودة.

 

استحقاقات الأمومة

 

مع تزايد نسبة مشاركة اليد العاملة الأنثوية بمرور الوقت، كذلك تزايد عدد الخطط المختلفة لتنظيم إجازة الأمومة والأجور. وقد جرت العادة أن تكون استحقاقات الأمومة المتعلقة بالوظيفة مموّلة من قبل ربّ العمل فقط، مما كان يخفّض من الحوافز الدافعة إلى توظيف النساء، لا سيّما في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. لكن لوحظ، في الآونة الأخيرة، توجّه عام نحو تسديد استحقاقات الأمومة من صندوق الضمان الاجتماعي، كما جرى في الأردن عام 2011. فضلاً عن ذلك، هناك توجّه عالميّ ببدء العمل بخطط "الأبوّة".

 

معاشات التقاعد

 

تعتبر معاشات التقاعد عاملاً أساسيًا للحدّ من الفقر في سنّ الشيخوخة، وقد تزايدت أهميّتها بمرور الزمن مع تقدّم السكان في العمر، وازدياد عدد المسنّين. لكنّ أنظمة التقاعد متنوّعة وليس من نموذجٍ واحدٍ مطبّق على الجميع. ففي العالم العربي على سبيل المثال، سجّلت مصر وليبيا وتونس تغطيةً إلزاميةً بأكثر من 50 في المئة بحلول منتصف العقد الأوّل من الألفية الجديدة، بالمقارنة مع 20 في المئة تقريبًا في العراق والمغرب، وأقل من 10 في المائة في اليمن والضفة الغربية وقطاع غزّة.

 

بشكلٍ عام، يمكن أن يشارك القطاعان العام والخاص في هذا الجانب القانوني (عندما تكون المشاركة إلزامية)، لكنّ حصة كلٍّ منهما تختلف عن الأخرى. فتعتبر معاشات التقاعد في القطاع الخاص طوعيةً عادةً، وهي تستند إلى خطط الرواتب التقاعدية الوظيفية أو إلى خطط مدّخرات التقاعد الفردية.

 

بالرغم من هذه الاختلافات، تتّبع برامج التقاعد بعض التوجّهات المشتركة. ويبدو أنّ السنّ التقاعدية الإلزامية تتقدّم مع ازدياد أمد الحياة. فتأخذ القيمة البديلة (نسبة معاش التقاعد على مدخول الموظّف قبل التقاعد)، أكثر فأكثر، بعين الاعتبار مساهمات الموظّف في حياته عوضًا عن راتبه النهائي. زد على ذلك أنّ دور القطاع الخاص في التمويل يرتفع أيضًا.

 

بشكلٍ عام، هناك توافق على ضرورة أن تساهم أنظمة التقاعد في التخفيف من الفقر، وانعدام المساواة، والإقصاء، وانعدام الأمن. كما يجب أن تخفّف هذه الأنظمة من تأثيرات سوق العمل الضارّة، مثل عدم رغبة الموظّفين في تغيير الوظيفة كون معاشات التقاعد غير قابلة للنقل. ولا ريب في أنّ هذه العملية تتطلّب توحيد شروط التقاعد بالنسبة لمجموعة متنوّعة من العاملين في وظائف وصناعات مختلفة، بما في ذلك الأشخاص العاملون لحسابهم الخاص أو العاملون بدوامٍ جزئيّ. فضلاً عن ذلك، يجب أن تسهّل معاشات التقاعد الانتقال من القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، كما يجب توسيع نطاق تغطيتها بحيث يشمل الأشخاص غير الموظّفين.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


زافيريس تزاناتوس مستشار دولي للاستراتيجية والسياسة مقيم في لبنان. كان سابقًا رئيس وأستاذ قسم الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت. مستشار سابق لمنظمة العمل الدولية، وقد شغل منصب مستشار للمدير الإداري للبنك الدولي، حيث كان أيضًا مدير الحماية الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك مدير البرنامج العالمي لعمالة الأطفال الذي كان المبادر لإنشائه. تشمل مؤلفاته 14 كتابًا ودراسة، وأكثر من 200 تقارير وأوراق بحث في مجالات اقتصاديات العمل، التعليم، الجندر، وعمالة الأطفال، وبشكل أوسع، السياسات الاجتماعية واستراتيجية التنمية. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

زافيريس تزاناتوس زافيريس تزاناتوس

الأكثر قراءة