التمويل الإسلامي: إشراف وحوكمة

وفيق جريس, 17 فبراير/شباط 2015

يتمّ فهم التمويل الإسلامي عامةً بشكل خاطىء، وغالبًا ما يتمّ ربطه بمفهوم أنّه يحظر استخدام أسعار الفائدة. يختلف التمويل الإسلامي عن التمويل التقليدي في عدد من المظاهر الّتي تتخطى عدم استخدام أسعار الفائدة. إنّه، بشكل أساسي، تمويل يلتزم مبادئ الشريعة، وبخاصّة تقاسم الأرباح والخسائر الّذي يفترض توزيع الخطر بتساوٍ على جميع أطراف العقد، والرابط المباشر للتمويل مع النشاط الاقتصادي، ومنع استغلال طرف لطرف آخر، ومنع تمويل النشاطات غير المسموحة وفقًا للشريعة (الحرام) مثل إنتاج الكحول (الحوري، غريس، وإقبال 2007).

 

وتشير بعض التقديرات إلى تزايد التمويل الإسلامي بسرعة كبيرة بنسبة 10 في المئة سنويًا خلال السنوات الأخيرة. عام 2011، قدّر بنك التنمية الإفريقي أن تتخطّى الأصول المتوافقة مع الشريعة 1 تريليون دولار عالميًّا، مع نموّ سريع للأصول المصرفية من 386 مليار دولار إلى 939 مليار دولار من 2006 إلى 2010. بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت الصكوك، أو السندات الإسلامية المدعومة بالأصول، إلى 48 مليار دولار بحلول 2010.

 

ويعود التمويل الإسلامي الحديث إلى إنشاء مصرف الادّخار في ميت غمر، في مصر، عام 1963، والانتشار اللّاحق والسريع للمؤسسات المالية الإسلامية في بلدان مجلس التعاون الخليجي وشرق آسيا طوال سبعينات القرن الماضي. وقد أدركت المؤسسات المالية العالمية مثل سيتي بانك، وغولدمان ساكس، وبنك إتش أس بي سي، وميريل لينش قدرة السوق، لذلك، دخلت السوق المالية الاسلامية، بما في ذلك من خلال نوافذ إسلامية، وهي قسم منفصل ضمن المؤسسة تديره هيئة الرقابة الشرعية المستقلة (الحواري، غريس، وإقبال 2007). وحاليًّا، تعمل المؤسسات المالية الإسلامية في 70 بلدٍ نامٍ ومتطوّر،ٍ على الأقلّ، في جميع أنحاء العالم (محيي الدين 2012).

 

وفي هذا السياق، ظهرت بنى تحتية مالية عالمية وفريدة لتلبية الاحتيجات الإشرافية والتنظيمية للمؤسسات المالية الإسلامية، بما في ذلك، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، ومجلس الخدمات المالية الإسلامية، والسوق المالية الإسلامية الدولية، والمؤسسة الإسلامية الدولية لإدارة السيولة. وتكمّل هذه الهيئات المؤسسات الوطنية، وتعزّز توحيد المعايير والمواءمة في القطاع المالي الإسلامي. كما تركّز بشكل خاص على السلامة والاستقرار من خلال قواعد ومبادئ توجيهية من أجل توفير التمويل، والتدقيق، وإصدار التقارير، بالإضافة إلى إدارة السيولة. وتؤمّن هيئة منفصلة، وهي مجمّع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر العربي، إرشادات بشأن الامتثال إلى الشريعة.

 

ومع توفّر وسائط مالية متعدّدة لإجراء وساطة مالية إسلامية، اتّجهت المؤسسات المالية الإسلامية نحو صكوك قصيرة الأمد محافظة وقائمة على التجارة، مثل المرابحة الّتي تزيد مجموع التمويل الإسلامي بنسبة 70 في المئة. أمّا الصفقات، مثل عقود المشاركة في رأس المال سواء بشكل مشاركة أو مضاربة، فهي محدودة بسبب المخاطر المتعلّقة بتمويل رأس المال، ونوعية البنى التحتية المؤسساتية، وانعدام اليقين القانوني في الأسواق المالية الإسلامية الأساسية.

 

إنّ تركيز معاملات المؤسسات المالية الإسلامية على الأصول القصيرة الأمد هي نتيجة المخاطر الفريدة الّتي تواجهها. فيعرّض غياب بيئة مؤسساتية متخصّصة ونظام تنظيمي فعّال المؤسسات المالية الإسلامية إلى مخاطر نظامية متعلّقة بالمسائل القانونية، والتنظيمية، والمؤسساتية، ويزيد من تعرّضها لمخاطر الطرف الآخر. وتشمل هذه الأخيرة المخاطر المؤسساتية الناجمة عن غياب توافق للرأي بين الفقهاء حول قواعد المعاملات المالية، الأمر الّذي خلق ارتباكًا بسبب طبيعة العقود غير المستقرّة. أمّا مخاطر بيئة الأعمال الناجمة عن عدم وجود عقود موحّدة يتم عرضها على المؤسسات المالية الإسلامية، وغياب آليات التقاضي وحلّ الخلافات الفعّالة التي بدورها تعيق الحوكمة الفعّالة. وأخيرًا، تؤدّي المخاطر الإئتمانية، أي عندما تصبح المؤسسات المالية الإسلامية مسؤولة قانونيًا عن خرقها لعقد الاستثمار، إمّا بسب عدم الامتثال إلى قواعد الشريعة أو بسبب إدارة الصناديق الاستثمارية بشكل سيّء، إلى إبعاد المستثمرين الطويلي الأمد (الحوري، غريس، وإقبال 2007).

 

وتطرح هذه المخاطر تحدّيات فريدة أمام المنظّمين وواضعي السياسات. وبسبب متطلّبات تقاسم الأرباح والخسائر في المؤسسات المالية الإسلامية، تقوم هذه الأخيرة بدمج صفات العمل المصرفية التقليدي وصفات الممارسات المالية غير المصرفية. ونتيجة لذلك، تطرح تنظيماتها تحدّيات أمام المنظمين والمشرفين الماليين التقليديين. وقد تمّ بذل جهود وطنية ودولية، وتستمرّ هذه الجهود، للتعامل مع ما سبق. وهناك اعتقاد سائد بأنّه يجب التشديد على متانة رأس المال بشكل أقلّ، وإيلاء انتباه أكثر للرقابة، والشفافية، والفصاح عن المعلومات، مع زيادة الاعتماد على انضباط السوق للحد من المخاطر الائتمانية للمؤسسات المالية الإسلامية. ولكن، في الممارسة الفعليّة، لا يميّز المنظّمون والمشرفون بين هذين الأمرين (التيبي وغريس 2014).

 

يستقطب التمويل الإسلامي عددًا كبيرًا من الموارد المالية في البلدان الموجود فيها وعبر الحدود. ويقدّم حجمه ونموّه السريع فرصًا للنمو والشمول المالي، ويشكّل في الوقت عينه تحدّيات أمام تأمين سلامة الوساطة المالية واستقرارها.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


وفيق جريس مستشار دولي متخصص في التمويل الإسلامي، التنظيم المالي، تمويل الاستثمار، إدارة الأسهم الخاصة، وحوكمة الشركات مع خبرة عالية في الشركات الصغيرة والمتوسطة وتمويل النمو الأخضر. كان أحد مؤسسّي ورئيس مجلس إدارة Viveris المشرق، وهي شركة خدمات للاستشارات المالية ومقرها القاهرة، متخصصة في استثمارات الأسهم الخاصة في الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومرخصة من قبل الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر. قضى 28 عامًا في مجال التمويل الدولي لا سيّما مع البنك الدولي في واشنطن العاصمة، حيث شغل العديد من المناصب العليا في كل من العمليات وعلى مستوى الشركات. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

وفيق جريس وفيق جريس

الأكثر قراءة