التنمية المالية في البلدان العربية

وفيق جريس, 17 فبراير/شباط 2015

يدعم اكتشاف أدبي فكرة أنّ التنمية المالية لها دور فعّال في دعم النمو الاقتصادي والحدّ على الفقر (ليفين 2004). وتسهّل قطاعات مالية عميقة وشاملة إنشاء شركات جديدة، وتؤمن للأسر الفقيرة فرصة للخروج من حالة الفقر، وتخفض انعدام المساواة بين المداخيل، وتسمح بإدارة المخاطر بفعاليّة أكبر (البنك الدولي 2008).[1]

 

أمّا بالنسبة إلى البلدان العربية، التنمية المالية غير متساوية بين الأبعاد الأربع الرئيسية الّتي تميّز المؤسسات والأسواق المالية – العمق، والوصول، والفعالية، والاستقرار. عامّةً، تندرج البلدان العربية ضمن البلدان المتوسطة الدخل من ناحية عمق القطاع المالي، وتقترب أيضاً من البلدان المرتفعة الدخل من ناحية الفعالية المسجّلة بحسب هوامش صافي الفائدة. كذلك الأمر بالنسبة إلى استقرار المؤسسات المالية، فالبلدان العربية تصنّف بسكل إيجابي، على الرغم من بعض القلق حيال تقلّب أسعار الأصول. ولكن، ما زالت البلدان العربية تتلكّأ وراء البلدان المنخفضة إلى متوسطة الدخل من ناحية الوصول إلى الأسواق المالية.

 

ومنذ بداية العام 2000، أقدمت عدّة بلدان عربية على خطوات جريئة لتحسين التنمية المالية، ولاعتماد معايير دولية متطوّرة. فعملت مصر على تقوية القطاع المصرفي من خلال خصخصة أحد مصارفها الأربعة الأكبر، ودعمت المصارف المتخصّصة وسعت إلى تخليص البنوك من القروض المتعثّرة. أمّا المملكة العربية السعودية، فاعتمدت تدابير تنظيمية لتقوية متطلّبات اتّفاق بازل 2 وإدخال إدارة المخاطر والتخطيط المالي إلى القطاع، وزادت الامتثال إلى معظم المعايير الدولية. وأخيراً، اتّبع المغرب خطوات لتقوية ربحيّة ومتانة نظامه المالي من خلال مقاربات اتّفاق بازل 2 الجديدة والموّحدة حول مخاطر الائتمان، وزاد الإشراف على الأسواق المالية وامتثال قطاع التأمين إلى مبادىء الجمعية الدولية لمشرفي التأمين.

 

ولكن تبقى هناك تحدّيات في المنطقة تطال الأبعاد الأربعة للتنمية المالية. فقبل إجراء الإصلاحات، يبقى الوصول المالي تحدّياً. وفي حين تؤمن بلدان مجلس تعاون الخليج وصولاّ جيّداً نسبياً إلى الخدمات المالية، تتلكّأ بلدان كمصر، إذ يستخدم فقط 9.7 في المئة من البالغين حاليًا حسابًا مصرفيًا. إلى ذلك، تحاول البلدان العربية زيادة الوصول إلى القروض، لاسيّما للشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.

 

وفي حين يبدو أنّ عمق القطاع المالي قد تحسّن، ما زال هناك تحدّيات تواجه عمق قطاع التأمين على الحياة بحيث تتمتّع البلدان العربية بنسبة منخفضة جدّاً مقارنة ببلدان كماليزيا حيث يبلغ التأمين على الحياة 2.9 في المئة من إجمالي الناتج المحلّي في 2011.

 

ومن ناحية الفعالية، تبقى هوامش صافي الفائدة جيّدة في المنطقة. ولكن تظهر أفضل نسبة عائد على الرسملة في البورصة في المملكة العربية السعودية، وفي مصر إلى حدّ ما. ويشير هذا التدبير إلى ضعف فعالية أسواق الأسهم في البلدان العربية الأخرى الّتي تنعكس على السيولة واكتشاف الأسعار.

 

وعلى الرغم من التحديات الّتي تواجه الوصول، يبدو أن الإصلاحات المصرفية قد أتت بثمارها. فقد أدّى تنظيف المحفظات المالية للمصارف، وإصلاح التشريع المصرفي، والتوحيد والخصخصة، إلى استقرار مصرفي أكبر. وتبدو المصارف قادرة على الصمود بشكل أفضل، مع القدرة على التخفيف من تقلّب العائدات على الأصول.

 

ولن يكون النقاش حول التنمية المالية الأخيرة في البلدان العربية كاملاً من دون ذكر تقدّم التمويل الإسلامي. (إيرنيست ويونغ 2012) ففي العام 2010، شكّلت الأصول المالية الإسلامية 14 في المئة من الأسواق المصرفية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأكثر من 26 في المئة من أسواق مصارف مجلس التعاون الخليجي، وقد ارتفعت هذه النسبة أكثر منذ تلك الفترة. وحثّ هذا النمو البلدان العربية على تحسين نوعية الأنظمة والإشراف في ما يتعلّق بالتنمية المالية الإسلامية. وتجدر الإشارة إلى أنّ البحرين أنشأت كتاب تعليمات مكرّس للمارسات الإسلامية فقط.

 

وفي حين لا يزال الوصول المالي متقلّبًا في العالم العربي، لم تحسّن الجهود الأخيرة المبذولة لتطبيق إصلاحات واعتماد معايير دولية تدريجياً صحّة المؤسسات والبنى التحتية المالية فحسب، بل أدخلت أيضًا أنظمة ضرورية لحوكمة القطاع المالي الإسلامي المتنامي بسرعة.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


[1] هناك تحاليل تظهر العلاقة السببية بالشكل المعاكس، أي من التنمية الاقتصادية إلى التنمية المالية، في حين تذكر تحاليل أخرى العلاقة بينهما فقط. على أيّ حال، هما تترافقان دائماً وتعزّزان بعضهما.

 


وفيق جريس مستشار دولي متخصص في التمويل الإسلامي، التنظيم المالي، تمويل الاستثمار، إدارة الأسهم الخاصة، وحوكمة الشركات مع خبرة عالية في الشركات الصغيرة والمتوسطة وتمويل النمو الأخضر. كان أحد مؤسسّي ورئيس مجلس إدارة Viveris المشرق، وهي شركة خدمات للاستشارات المالية ومقرها القاهرة، متخصصة في استثمارات الأسهم الخاصة في الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومرخصة من قبل الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر. قضى 28 عامًا في مجال التمويل الدولي لا سيّما مع البنك الدولي في واشنطن العاصمة، حيث شغل العديد من المناصب العليا في كل من العمليات وعلى مستوى الشركات. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

وفيق جريس وفيق جريس

الأكثر قراءة