الحدّ الأدنى للأجور: عالميًا وفي العالم العربي

زافيريس تزاناتوس, 06 مارس/آذار 2015

مع أنّ 52 دولة فقط صادقت على الاتفاقية الدولية بشأن تحديد الحدّ الأدنى للأجور (رقم 131، 1970)، إلا أنّ كافَّة الدول تعتمد، عملياً، شكلاً من أشكال الأنظمة المؤسساتية لتحديد الأجور وقوانين العمل المنظِّمة للعقود بين أرباب العمل والموظّفين. ففي حين صادقت الجزائر، والعراق، ومصر، والمغرب، واليمن على الاتفاقية المذكورة، تعتمد دول أخرى، مثل جزر القمر، والأردن، والكويت، ولبنان، وعمان، والمملكة العربية السعودية، والسودان، وسوريا وتونس حدوداً ومبادئ توجيهية للأجور نصّت عليها الحكومة نفسها.

 

بالمطلق، يعتبر الحدّ الأدنى للأجور أكثر ارتفاعًا في الدول ذات الدخل المرتفع، لكنه أعلى في الدول النامية نسبيًا. على المستوى العالمي، يبلغ الحدّ الأدنى للأجور في الدول المتوسطة حوالى 48 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عن الفرد الواحد. في هذا الإطار، سجّل المغرب النسبة الأعلى من الحدّ الأدنى للأجور التي بلغت نحو 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عن الفرد الواحد في العام 2009. وقد بلغت هذه النسبة 60 في المئة تقريباً في الجزائر، والأردن، وسوريا، وتونس، مقابل نحو 30 في المئة فقط في مصر ولبنان.

 

رأي طرفَي المعادلة: ما الحاجة إلى الحدّ الأدنى للأجور؟

 

تتعدّد وجهات النظر المحيطة بالنقاش القائم حول الأدنى للأجور. فمن جهة، قد يساهم الحدّ الأدنى من الأجور في إيجاد حوافز محلية لتحريك عجلة التنمية الاقتصادية. كما يمكنه، إذا كان لا يتسبّب بتقليص نسبة الوظائف، على الأقل بكثير، أن يساهم في تحقيق ما يلي: تعزيز إجمالي الطلب المحلي، بما أنّ الفقراء يميلون نسبيًا إلى إنفاق أكثر على الموادّ الاستهلاكية؛ والتقليل من الحوافز التي تدفع بالمواطنين الأكثر إنتاجيةً إلى الهجرة؛ وتمكين أصحاب الأجور المتدنية من رفع مستوى إنفاقهم في قطاعَي التعليم والصحة، مما يزيد من إنتاجيتهم في المستقبل. أما على المستوى الاجتماعي، فيعتبر الحدّ الأدنى للأجور أساساً لتعزيز التنمية الاقتصادية الشاملة من خلال التخفيف من التفاوت بين الأجور.

 

هذا من جهة. أما من جهة أخرى، فيمكن أن يساهم الحدّ الأدنى للأجور في فتور وتيرة الاستثمارات في مجال الرأسمال البشري، بما أنّ جميع العاملين سيتلقون أجوراً أعلى في هذه الحالة حتى أولئك الذين لا يملكون شهادات عالية أو مهارات متقدّمة. كما يمكن أن يؤدي الحدّ الأدنى من الأجور إلى ارتفاع نسبة البطالة، ويضاعف من حجم القطاع غير الرسمي. فضلاً عن ذلك، قد يساهم أيضاً في تخفيف وتيرة الحدّ من الفقر، بما أنه يجعل الصناعات التقليدية المتدنية الأجر، ذات كثافة العمل المرتفعة، أقل ميلاً إلى التنافس- ومن هذه الصناعات الزراعة، وصيد الأسماك، والبناء، واستخراج المعادن، وصناعة الألبسة. أخيراً، قد يحدث الحد الأدنى للأجور "تأثيرًا تردّديًا" على رواتب العمال ذوي الأجور المرتفعة، مما يؤدي إلى "تضخم ناشئ عن ارتفاع الأجور" ويترك الفقراء في حالة من الجمود.

 

تأثير الحدّ الأدنى من الأجور

 

تشير التجارب الدولية إلى أنّ تأثير الحدّ الأدنى للأجور يختلف بين دولة وأخرى، وبين زمن وآخر. فقد تثمر كلّ آلية لتحديد الحدّ الأدنى للأجور عن نتائج مختلفة في النظام الاقتصادي الأكبر وفي كلّ قطاع على حدة. بشكل عام، تختلف تأثيرات الحدّ الأدنى للأجور بحسب مستواها، ونطاق تغطيتها، ودرجة إنفاذها، وتأثيرها على الاستثمار المحلي والأجنبي.

 

تحديد الحدّ الأدنى للأجور

 

من المستحسن، بشكل عام، تحديد الحدّ الأدنى للأجور بالتوافق بين الشركاء الاجتماعيين (أيّ الممثلين عن أرباب العمل والعمّال) أو من قبل الحكومة بالتشاور مع هؤلاء. كما يجب اعتماد آليات التنفيذ المناسبة، إلى جانب أحكام تمكّن من تعديل الأجور بسلاسة بمرور الوقت، مع تفادي التغييرات المفاجئة في الوقت نفسه. فضلاً عن ذلك، يجب مراعاة ظروف الطلب على اليد العاملة، مع الأخذ بعين الاعتبار إن كان الاقتصاد يشهد نموًّا أو ركودًا. ويجب أن يكون الحدّ الأدنى للأجور متوافقًا مع أهداف التوظيف الكامل على المستوى الكلي، ومع الإنتاجية والتنافسية الخارجية لمختلف القطاعات على المستوى الضيّق. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يأخذ الحدّ الأدنى للأجور بعين الاعتبار كلفة المعيشة، ومدى توافر المنافع الاجتماعية، وأحكام الضمان الاجتماعي، ووجود الدعم الحكومي، وبشكل عام ما الذي يمكن اعتباره أجرًا "عادلًا" أو "لائقًا".

 

المضيّ قدمًا

 

يجب تحديد الحدّ الأدنى للأجور ضمن إطار السياسة الاجتماعية العامة. ومن الأمور الأساسية في هذا المجال تحديد إلى أيّ مدى يعتبر "أصحاب الأجور المتدنية فقراء" أو "يتلقى الفقراء أجورًا متدنية" على المستوى التجريبي. فإذا كان الأفراد لا يزاولون عملاً لأسباب اجتماعية أو طبية أو بسبب ارتفاع كلفة النقليات أو السكن، فقد يكون الإنفاق العام - على التربية، الصحة، البنى التحتية، الإسكان، والحماية الاجتماعية - مجالات أكثر حظوظاً لضمان الحصول على مدخول. ومن الممارسات السليمة لتحديد الحدّ الأدنى للأجور، تعيين مستويات مختلفة للموظّفين الشباب والراشدين، وتطبيق بنود لتعديل الرواتب بشكلٍ منتظم.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


زافيريس تزاناتوس مستشار دولي للاستراتيجية والسياسة مقيم في لبنان. كان سابقًا رئيس وأستاذ قسم الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت. مستشار سابق لمنظمة العمل الدولية، وقد شغل منصب مستشار للمدير الإداري للبنك الدولي، حيث كان أيضًا مدير الحماية الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك مدير البرنامج العالمي لعمالة الأطفال الذي كان المبادر لإنشائه. تشمل مؤلفاته 14 كتابًا ودراسة، وأكثر من 200 تقارير وأوراق بحث في مجالات اقتصاديات العمل، التعليم، الجندر، وعمالة الأطفال، وبشكل أوسع، السياسات الاجتماعية واستراتيجية التنمية. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

زافيريس تزاناتوس زافيريس تزاناتوس

الأكثر قراءة