الحد الأدنى للأجور في العالم العربي

زافيريس تزاناتوس, 17 فبراير/شباط 2015

منذ بداية الربيع العربي، رفعت معظم الدول العربية الحدّ الأدنى للأجور في القطاع الخاص، في حين قامت دول أخرى بطرحه كما فعلت مصر في العام 2012 أو بالمصادقة على الإتفاقية الدولية بشأن تحديد الحدّ الأدنى للأجور رقم 131 كما فعل المغرب في العام 2013. وحين لم تصادق دول أخرى على غرار جزر القمر، الأردن، الكويت، لبنان، المالديف، سلطنة عمان، السودان، وتونس على الاتفاقية، إلا أنها تتمتع بأشكال مختلفة من الحدّ الأدنى للأجور الإجباري. وتجدر الإشارة إلى أنَّ جمهورية اليمن قد صادقت على الاتفاقية منذ العام 1971 إلا أنها لم تطرح بعد حدًّا أدنى للأجور.

 

وإن وضعنا الاعتبارات السياسية جانبًا، هناك توجه عالمي متزايد لتحديد الحد الأدنى للأجور. وليس من المفاجئ أن الدول الناشئة تطرح حدًّا أدنى للأجور وإن كان ذلك مع تأخير ملحوظ وتنوع كبير. وأحدث مثال على ذلك ما حدث في منطقة شرق آسيا الديناميكية، حيث قامت أكثر من 20 دولة برفع الأحد الأدنى للأجور أو طرحتها خلال العالم الماضي.

 

تحديد الحد الأدنى للأجور

 

الحد الأدنى للأجور هو الملبغ المالي الأدنى الذي يدفع إلى عامل لقاء عمل يقوم به أو خدمات يقدمها خلال فترة من الوقت، وووفقًا لمنظمة العمل الدولية "يمكن تحديده لتغطية الاحتياجات الدنيا للعامل وعائلته على ضوء الظروف الوطنية الاقتصادية والاجتماعية". وبالإضافة إلى ذلك، هناك فرق بين الحد الأدنى للأجور الوطني الإجباري الذي ينطبق على جميع العمال، والحد الأدنى الذي ينطبق على مجموعات معينة مثل البالغين مقارنةً مع العاملين الشباب أو العاملين في المناطق الحضرية أو الريفية. وفي حال لم يكن مفروض وطنيًا، يمكن لقطاع أو مهنة فرض حد أدنى للأجور. كما ويمكن أن تقوم الحكومة بتحديد الحد الأدنى للأجور من طرف واحد مع أو من دون استشارة مع أرباب العمل والعمال أو متوافق عليه بلا قيود من قبل العمال وأرباب العمل.

 

وقد يكون تطبيق الحد الأدنى للأجور ضعيفًا لا سيما في ظل غياب واسع النطاق لنظام أو فائض في عرض العمل كما هو الحال بالنسبة لفائض عددي كبير في الزراعة أو عاملين مهاجرين غير نظاميين. وقد تسوء هذه العملية بسبب إدارة ضعيفة للعمل (على سبيل المثال مفتشي العمل)، ومجتمع مدني مقيّد (على سبيل المثال منظمات العمال)، والفساد بالطبع.

 

المضي قدمًا

 

هذا ولا يوجد في المبدأ مستوى مناسب للحد الأدنى للأجور أو حد أدنى للأجور صحيح. وحتى بعض الدول ذات الاقتصادات المرتفعة الدخل على غرار تلك الموجودة في الدول الاسكاندينافية، ليس لديها حدًّا أدنى للأجور إجباريًا في كامل الدولة. إلّا أن هذه الدول تتميّز بحرية أرباب العمل والعامل بتكوين الجمعيات، ولديها إجراءات مفاوضات جماعية تحدد الأجور في العديد من المجالات في سوق العمل.

 

وفي حين ترتبط بعض التطورات التي حصلت مؤخراً بخصوص الحد الأدنى للأجور في المنطقة العربية باعتبارات سياسية على إثر الثورات التي حصلت بعد العام 2010، يجب أن يأخذ تحديد الحد الأدنى للأجور في الحسبان ظروف الإنتاج والتنافسية فضلاً عن مستوى القطاع غير الرسمي والبطالة. وعلى سبيل المثال، ونظراً للبطالة المرتفعة بين الشباب، يجب أن تحتذي الأجور الدنيا بدول عديدة لديها معدلات مختلفة من الحد الأدنى للأجور منها ما هو مخصص للمبتدئين مقارنةً بالعاملين المؤهلين أو العاملين الشباب أو الراشدين.

 

والحد الأدنى للأجور هو تدخل في سوق العمل يعتبر من بين العديد من السياسات الاقتصادية والاجتماعية. ويجب أن يأخذ تحديد مستوى الحد الأدنى للأجور في الحسبان الضرائب وتخفيضات أخرى ومن ضمنها مساهمات الضمان الاجتماعي، ووجود استحقاقات عمل متوافرة أخرى وتوافر الخدمات العامة وشبكات الأمان الاجتماعي. والمثالي هو أن تعتمد الأجور على أدلة عملية حول تأثيراتها المحتملة، وأن تكون نتيجة حوار بين العمال وأرباب العمل، وأن تكون مجرّدة من التدخل السياسي.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


زافيريس تزاناتوس مستشار دولي للاستراتيجية والسياسة مقيم في لبنان. كان سابقًا رئيس وأستاذ قسم الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت. مستشار سابق لمنظمة العمل الدولية، وقد شغل منصب مستشار للمدير الإداري للبنك الدولي، حيث كان أيضًا مدير الحماية الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك مدير البرنامج العالمي لعمالة الأطفال الذي كان المبادر لإنشائه. تشمل مؤلفاته 14 كتابًا ودراسة، وأكثر من 200 تقارير وأوراق بحث في مجالات اقتصاديات العمل، التعليم، الجندر، وعمالة الأطفال، وبشكل أوسع، السياسات الاجتماعية واستراتيجية التنمية. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

زافيريس تزاناتوس زافيريس تزاناتوس

الأكثر قراءة