السياسة النقدية الحالية في تونس

سفيان غالي - الكاتب المشارك: سامي رزغوي, 05 مارس/آذار 2015

على سياسة القطاع النقدي أن تهدف الى احتواء التضخم، والحفاظ على احتياطات التبادل الخارجي، وتعزيز القطاع المصرفي لمعالجة الكثير من التحديات الاجتماعية والاقتصادية. ولكن تتمثّل مخاوف تونس الأساسية، في المدى المتوسط، بتقليص البطالة المرتفعة، خاصة بين الشباب، وتخفيف التفاوتات الاقتصادية الإقليمية من خلال تأسيس شركات تحقق نمو اقتصادي أكبر وأكثر شمولية.

 

فمنذ ثورة عام 2011، واجهت البلاد اختلالات كبيرة في الاقتصاد الكلي، وذلك يعود إلى تركيز السلطات بشكل كبيرعلى تهدئة الطلبات الاجتماعية، وإلى مواطن الضعف في الأعمال التجارية بسبب السياسات المالية والنقدية التوسعية. وبالتالي، اتسع المعدل الحالي للعجز بشكل كبير إلى 7.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013 (مقابل 4.7 في المئة عام 2010)، وتسارع للتضخم بشكل كبير ليصل إلى 6.0 في المئة (4.4 في المئة عام 2010)، بالإضافة الى اشتداد الضعف في القطاع المالي ووصول البطالة الى مستويات لم تصل إليها سابقاً (18 في المئة عام 2011 مقابل 13 في المئة في عام 2010).

 

حتى اليوم، اتخذ البنك المركزي التونسي خطوات متعددة لتشديد السياسة النقدية، بما في ذلك إدخال السيولة إلى المصارف المحلية، وزيادة معدل الفائدة الأساسي بمقدار 50 نقطة أساس، وتشديد متطلبات الاحتياطي لإقراض الزبائن وتحديد معدل أدنى للمدخرات ما يعادل 2.75 في المئة في عام 2013 للحصول على مدخرين صغار.

 

وبينما ساهمت هذه الجهود في تخفيف بعض الضغط، يتطلب من البنك المركزي التونسي القيام بخطوات أكثر تأثيراً لإزالة اعتماد المصارف المحلية على إدخال المصرف المركزي للسيولة وزيادة مرونة سعر الصرف.

 

أولاً، على البنك المركزي التونسي ابتكار استراتيجية خروج لإدخاله السيولة إلى القطاع المصرفي المحلي. وينبغي أن تتضمن هذه الاستراتيجية تعزيز وتمديد السيولة الحالية، ووضع إطار وأفق، وتأسيس هيكلية نظام المقرض كملاذ أخير، وإنشاء أطر لإدارة سليمة لتشجيع المصارف على إدارة سيولتها بطريقة تقدمية. كما يمكن للبنك المركزي التونسي أن يخفض سقوف أسعار الفائدة الحالية بهدف إزالتها وتحسين آلية نقل النقد.

 

أما في ما يعلق بليونة سعر الصرف، فأدارت السياسة النقدية في تونس خلال العقد الماضي نظام صرف عائمًا، يتدخل من خلاله البنك المركزي التونسي في السوق، بهدف تحقيق انخفاض طفيف وسريع بسعر الصرف الحقيقي، مقابل مجموعة من العملات الثقيلة، وفقاً للشركاء التجاريين للبلد، الأساسيين والمنافسين.

 

بيد أن هذا النموذج السابق أظهر محدوديته من خلال غياب استدامة ارتفاع النمو، والتوازن الإقليمي رغم نتائج واستقرار الاقتصاد الكلي التي لا يمكن إنكارها. يحتاج الاقتصاد التونسي أن يصبح أكثر قدرة على المنافسة وعلى تأمين ما يكفي من الوظائف وفرص العمل لمجتمعه من الشباب المتعلم.

 

فمنذ عام 2012، أدخل البنك المركزي التونسي لهذه الغاية تعديلاً على طريقته في التدخل في أسواق الصرف الأجنبية، فأصبح تدخله قائماً على أساس سياسة سعر الصرف بين المصارف، بدلاً من سعر مرجعي يُحسب عبر استخدام مجموعة ثابتة من العملات، ويسمح بسياسة أكثر ليونة لسعر الصرف من العقود الماضية.

 

وسيساعد هذا النظام الجديد لسعر الصرف على حفاظ البنك المركزي التونسي على احتياطات الصرف الأجنبي، ويسهل التعديل الخارجي، ويدعم الطلب على الأموال من خلال تخفيض امتصاص السيولة نتيجة التدخلات في أسواق الصرف الأجنبية.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


سفيان غالي أستاذ الاقتصاد وعميد المدرسة العليا للعلوم الاقتصادية والتجارية في جامعة تونس. متخصص في مجالات المنظمات الصناعية والاقتصاد الدولي. له منشورات متخصصة في مجلات دولية، ساهم في العديد من الدراسات لوكالات وطنية تونسية ومنظمات مثل ITCEQ وIACE ومنظمات دولية مثل البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وبنك الاستثمار الأوروبي، FEMISE، منتدى البحوث الاقتصادية، وشبكة التنمية العالمية. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.


سامي رزغوي استاذ في جامعة منوبة في تونس. متخصص في مجالات سياسات الاقتصاد الكلي، الاقتصاد الدولي، اقتصاديات الصناعة وسياسة الابتكار. مؤلف العديد من البحوث المنشورة في المجلات الدولية وهو أيضًا مستشار ومساهم في تقارير مختلفة لوكالات دولية (ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، البنك الدولي، FEMISE، معهد البحر الأبيض المتوسط) ومؤسسات وطنية (معهد الدراسات الكمية، المعهد العربي لمدراء الأعمال، وزارة التجارة، وهيئة ترويج الاستثمار). حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

سفيان غالي - الكاتب المشارك: سامي رزغوي سفيان غالي - الكاتب المشارك: سامي رزغوي

الأكثر قراءة