الطاقة والاستدامة

وليد مرّوش, 17 فبراير/شباط 2015

يعتبر استخدام الطاقة مستداماً عندما يتمّ تنمية مصادر الطاقة لتلبية احتياجات جيل الحاضر من دون إعاقة قدرة أجيال المستقبل على تلبية احتياجاتها. إنّ الاستدامة هي هدف متعدّد الأوجه، وعندما تطبّق على مسائل الطاقة، يمكن دراستها من خلال النظر في مؤشرات محدّدة تربط استخدام الطاقة بالاستدامة البيئية والفعالية الاقتصادية.


من بين الملوّثات العالمية الأساسية المرتبطة بالنمو الاقتصادي، انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المرتبطة مباشرةً بالتغيّر المناخي. بالإضافة إلى ذلك، تترافق انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون إيجابيًا مع أنواع أخرى من ملوّثات الهواء، وبالتّالي يمكن اعتبارها كبديل جيّد للتلوّث بشكل عام. عام 2010، سجلت دول مجلس التعاون الخليجي النّسب الأعلى لانبعاثات الكربون للفرد الواحد، كما يظهر في الرسم البياني رقم 1. كما تتمتّع البلدان العربية ذات الانبعاثات المرتفعة لثاني أوكسيد الكربون للفرد، بمستويات مرتفعة لإجمالي الناتج المحلّي للفرد. إذاً، هناك علاقة إيجابية بين مستويات التلوّث ومستويات الدخل في البلدان العربية، ممّا يشير إلى أنّ المفاضلة بين النمو الاقتصادي ونوعية البيئة لم تنكسر بعد. إلاّ أنّه ثمّة تباين بين هذه الملاحظة وما تفترضه النظرية الاقتصادية التقليدية. فبحسب النموذج الاقتصادي-البيئي التقليدي، تنمو البلدان اقتصاديًّا على حساب البيئة خلال المراحل المبكرة. في المقابل، تحدث نقطة تحوّل في مراحل التنمية الأعلى فتهبط من بعدها نسبة الانبعاثات للفرد.

 

   المصدر: مؤشرات التنمية العالمية، البنك الدولي

 

وانتقالاً إلى كفاءة استخدام الطاقة، يعتبر الناتج المحلي الإجمالي لكل وحدة استهلاك طاقة مؤشّراً يبيّن العائد على الطاقة المستخدمة أو مدى كون الاقتصاد أخضر/بنّي. ونلاحظ في الرسم البياني رقم 2 أنّ البلدان الّتي تتميّز بأقلّ كفاءة في استخدام الطاقة تنتمي إلى مجموعة منتجي النفط. وتحتلّ المغرب، في الجهة المقابلة، المرتبة الأولى كأكثر بلد عربي يتمتّع بالكفاءة في استخدام الطاقة في عام 2011، حيث زاد استخدام الطاقة الموازي لكيلوغرام واحد من النفط إجمالي الناتج المحلي بقيمة حوالي 12.6 دولار.
 


المصدر: مؤشرات التنمية العالمية، البنك الدولي

 

وفي هذا الإطار، يتوجب على واضعي السياسات في المنطقة العربية أن يأخذوا في عين الاعتبار المفاضلة المذكورة أعلاه بين الحدّ من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون والنمو الاقتصادي، ما يعني أنّ أي خفض للانبعاثات سيأتي بتكلفة اقتصادية مرتفعة. وبالتالي، من غير المرجّح أن تلتزم الحكومات العربية ببذل جهود مهمّة للحدّ من الانبعاثات في المستقبل القريب. وفي سياق مماثل، يسمح الاستبدال لمصادر الطاقة المتجدّدة بتحقيق أرباح في الكفاءة في استخدام الطاقة، وبالتالي، قد يساعد على التخفيف من هذه المفاضلة. وستساهم سياسات مشابهة إيجابياً في استعداد مستقبلي للدول العربية بالالتزام بأي اتفاق بيئي دولي وشيك حول التغيّر المناخي.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


وليد مرّوش أستاذ مشارك في الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية. يشغل حاليًا منصب رئيس مشارك لقسم الاقتصاد في الجامعة. يشارك بنشاط في البحوث الأكاديمية، بالإضافة إلى الأعمال الاستشارية لعدد من المنظمات الدولية. وهو أيضًا زميل مشارك في مركز بحث وتحليل المنظمات بين الجامعات (CIRANO) في مونتريال، كندا. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد التطبيقي.

وليد مرّوش وليد مرّوش

الأكثر قراءة