المصارف الحكومية والمنافسة المصرفية المحدودة في العالم العربي

وفيق جريس, 04 مارس/آذار 2015

لمدّة طويلة، وفي غالبية العالم العربي، ساهمت هيمنة المصارف الحكومية والبيئات التنظيمية الضعيفة غالبًا بالحدّ بشكل كبير من المنافسة بين مؤمّني الخدمات المالية. فتستمرّ المصارف الحكومية بالتفوّق على المؤسسات الخاصة، لاسيّما في الجزائر، وليبيا، وسوريا. والحال مماثلة في مصر، والأردن، والمغرب، وتونس، على الرغم من الدور المهمّ الّذي تؤدّيه اليوم المصارف الخاصّة في الوساطة المالية.

 

وتمنع مقتضيات الدخول المقيّدة المنافسة في السوق. وتحدّ نظم المعلومات الائتمانية غير الملائمة من الوصول إلى القطاع المالي، وتزيد إدارة المخاطر، وتؤمّن نطاقًا تنافسيًا للمصارف الكبيرة أمام المنافسين الأصغر. وبالإضافة إلى ذلك، تخفّف المنافسة المحدودة من المؤسسات المالية غير المصرفية الضغوطات من أجل زيادة الفعالية. وأخيراً، زادت حالات التطبيق الحكومي الواسع النطاق والحالات الناجية من الإقراض المترابط تحديات المنافسة.

 

وقد ساهمت هذه المنافسة الضعيفة بتقييد الوصول إلى القطاع المالي في المنطقة العربية. فعلى الرغم من تواجد المصارف بين أكبر وأعمق النظم المصرفية في العالم النامي، إلاّ أنّها تؤمّن وصولاً محدودًا للأسر والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. إلى ذلك، ينتج عن هذه المنافسة الضعيفة قطاع مالي طويل الأمد وغير ملائم، وآليات لتمويل الإسكان غير متطوّرة، وأدوات وممارسات محدودة لإدارة المخاطر (أنزواتيغي وبيريا وروكا، 2010). وأخيراً، كان تركيز القروض مرتفع، وهو ما يتجاوز معظم البلدان الناشئة بمعدّل يعتبر من أعلى المعدّلات في العالم. ويسلّط هذا التركيز الضوء على سيطرة المصارف الحكومية، والتمويل الحكومي، والإقراض المترابط، وعلاقة الإقراض الراسخة بين البنوك من جهة، والشركات الكبيرة والمؤسسات المملوكة من الدولة من جهة أخرى.

 

وقد أقرّت الحكومات بالتحديّات الناتجة عن المنافسة المصرفية الضعيفة، لذلك، تّتجه نحو زيادة المنافسة لتعزيز الفعالية، والاستقرار، الحصول على التمويل. أمّا داخل بلدان مجلس التعاون الخليجي، فتعهّدت ممارسة الرواتب بإعطاء قروض شخصية، وساهم إنشاء مكتب ائتماني خاص بتحسين وصول الأسر وزيادة قروض التجزئة بمعدّل نحو 30 في المئة من المحفظات المالية للقروض. إلاّ أنّه لم تتمكن بلدان المجلس من خلق بيئة تمكينية لقروض الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، الّتي تشكّل 2 في المئة من المحفظات المالية للقروض. وبالنسبة للبلدان غير الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي كلبنان والمغرب، فقد أحرزت تقدّمًا ملحوظًا في زيادة قروض الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والتمويل العقاري. (روكا، أرفاي، وفارازي 2011)

 

وفي هذا الإطار، قام العديد من البلدان العربية بإصلاحات هيكلية لتحسين المنافسة والفعالية. وبالإضافة إلى إعادة هيكلة وخصخصة المصارف الحكومية، في الجزائر، ومصر، والعراق، والمغرب، وسوريا، وتونس مثلًا، أدخلت عدّة حكومات تدابير تنظيمية لتعزيز دخول مصارف خاصّة جديدة، بما فيها البنوك الأجنبية.

 

ولكن، تبقى هذه الجهود في مراحلها المبكرة. ففي بعض البلدان، يجب القضاء على دوامة التبعية بين المصارف الحكومية والشركات الحكومية لتحقيق المنافسة، والفعالية، ووصول أكبر.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


وفيق جريس مستشار دولي متخصص في التمويل الإسلامي، التنظيم المالي، تمويل الاستثمار، إدارة الأسهم الخاصة، وحوكمة الشركات مع خبرة عالية في الشركات الصغيرة والمتوسطة وتمويل النمو الأخضر. كان أحد مؤسسّي ورئيس مجلس إدارة Viveris المشرق، وهي شركة خدمات للاستشارات المالية ومقرها القاهرة، متخصصة في استثمارات الأسهم الخاصة في الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومرخصة من قبل الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر. قضى 28 عامًا في مجال التمويل الدولي لا سيّما مع البنك الدولي في واشنطن العاصمة، حيث شغل العديد من المناصب العليا في كل من العمليات وعلى مستوى الشركات. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

وفيق جريس وفيق جريس

الأكثر قراءة