المصرفية العربية: إنضباط وحوكمة وشفافية السوق – الجزء الخامس

وفيق جريس, 05 مارس/آذار 2015

بعد استعراض مقاربات الحكومات العربية حيال الأنظمة الاحترازية الجزئية والكلية، يتطرّق الجزء الخامس إلى التحديات الّتي تقف أمام تعزيز إنضباط السوق، وضمان حوكمة مصرفية جيّدة، وتعزيز الشفافية.

 

إنّ انضباط السوق هو الركيزة الثالثة لبازل 2. ولكن لا توفّر الأنظمة المؤسساستية المالية في المنطقة الطرق أو الحوافز الملائمة للمشاركين في السوق لمراقبة الأداء المصرفي. وتعتمد الركيزة الثالثة على افتراض أنّ انضباط السوق يفرض حوافز قوية على البنوك لإتمام أعمالها بطرق آمنة وسليمة وفعّالة. وهي تكمّل الحدّ الأدنى من متطلبات رأس المال (ركيزة 1)، وعملية المراجعة الإشرافية (ركيزة 2). وتهدف الركيزة الثالثة إلى تعزيز انضباط السوق من خلال تنمية عدد من متطلّبات النشر الّتي ستسمح للمشاركين في السوق أن يقيّموا رأس مال البنك، والتعرّض للمخاطر، وعمليات تقييم المخاطر. وعلى الرغم من التقدم المحرز خلال السنوات الأخيرة، يفتقر مجال الإفشاء في البنوك العربية لمتطلّبات أساسية لتأدية دور فعّال في انضباط السوق.

 

ومن جهة أخرى، إنّ الحوافز الّتي تدفع المساهين لمراقبة البنوك هي ضعيفة بسبب التأمين الضمني القوي على الودائع، وبخاصة الشيك على بياض، أو غياب حالات فشل البنوك أو ترتيبات تسوية البنوك الموثوق بها الّتي تؤدي إلى القضاء على المساهمين والدائنين الثانويين، (روكا وآخرون 2011). بالإضافة إلى ذلك، يحتمل أن تكون هذه الضمانات مكلفة، وقد تخلق توقعات تشير إلى أنّه لن يتم التساهل في موضوع حالات فشل البنوك. فالجمهور يتوقّع تدخّل منظمين لحلّ أيّ أزمة نظامية أو مصرفية. وتخلق هذه التوقعات بالتالي مشاكل تتعلّق بالحوافز، وانضباطًا ضعيفاً للسوق، وتفرض عبئًا إضافيًا على الإشراف.

 

وعلى غالبية البنوك أن تنشر بيانات مالية سنويًا على الأقلّ، وحتّى أكثر. وتطلب بعض البلدان من جميع مؤسساتها المصرفية أن تأخذ شكل شركة مساهمة، وأن تندرج في سوق الأسهم المحلية، وبالتالي، أن تنشر بيانات مالية تتوافق مع المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية.

 

إلاّ أنّه يبدو أنّ الإفصاحات غير متناسقة، بالأخص في مجال إعداد التقارير المالية الموحدّة. بالإضافة إلى ذلك، ثمة اختلافات في تقييم درجة التعرّض المشترك. إنّ الإفصاح غير المالي هو متطوّر بشكل أقلّ من الإفصاح المالي، الأمر الّذي يعيق تقييم حوكمة المخاطر التي يواجهها البنك. ويتمّ التدقيق بحسابات البنوك سنويًا. وفي عدد من البلدان، إنّ إعمال التدقيق مركّزة، وترتبط بعض الشركات بشكل وثيق ومنذ مدة طويلة

 

بالقطاع المصرفي. إضافة، تفتقر بعض البلدان للمدققين الخارجيين الماهرين في النشاطات المصرفية والنشاطات المرتبطة بالمصارف، لذلك يتطلّب الأمر المزيد من التطوّر.

 

و من جهة أخرى، الجهات التنظيمية تنشط في مجال حوكمة الشركات. على سبيل المثال، أصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي مبادىء لحوكمة الشركات تغطي مختلف جوانب تكوين مجلس الإدارة وعملياته، بما في ذلك مؤهلات أعضاء المجلس واللّجان. كذلك، أصدر البنك المركزي المصري قواعد لحوكمة الشركات تركّز على (أ) تحديد واضح لمسؤوليات أعضاء مجلس الإدارة وواجباتهم، بالإضافة إلى التشديد على أنّ الإدارة العليا مسؤولة أمام المجلس؛ (ب) أدوار لجان المجلس وبنيتها؛ (ج) الدور الإشرافي للمجلس في ما يخصّ إدارة المخاطر وأنظمة الرقابة الداخلية؛ (د) وضع سياسات فعّالة للأجور والمكافآت وللتعامل مع تضارب المصالح؛ و (ه) مبدأ الشفافية والإفصاح عن معلومات مالية وغير مالية مهمّة.

 

وقد راجعت العديد من المجالس في العالم العربي بنيتها وأضفت عليها الطابع الرسمي. أمّا لجان التدقيق وإدارة المخاطر فهي إمّا موجودة أو يتمّ إنشاؤها. ولكن لجان الترشيح والتعويض هي أقلّ شيوعًا. وقد ازداد الوعي حيال ربط المكافأة بالأداء المؤسساتي، ولكن لا يزال وجود مدراء مستقلّين وأعضاء غير تنفيذيين في لجنة التدقيق قليل الانتشار.

 

ومع التقدّم المحرز في مجال الانضباط، والشفافية، والحوكمة، آن الأوان لتقييم أداء القطاع المصرفي في العالم العربي. لذللك، ينظر الجزأن الأخيران من هذه السلسلة المؤلّفة من سبعة أجزاء في الأداء المالي والاقتصادي المصرفي في المنطقة.

 

لقراءة الجزء الأول، الجزء الثاني، الجزء الثالث، الجزء الرابع، الجزء السادس، الجزء السابع

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


وفيق جريس مستشار دولي متخصص في التمويل الإسلامي، التنظيم المالي، تمويل الاستثمار، إدارة الأسهم الخاصة، وحوكمة الشركات مع خبرة عالية في الشركات الصغيرة والمتوسطة وتمويل النمو الأخضر. كان أحد مؤسسّي ورئيس مجلس إدارة Viveris المشرق، وهي شركة خدمات للاستشارات المالية ومقرها القاهرة، متخصصة في استثمارات الأسهم الخاصة في الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومرخصة من قبل الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر. قضى 28 عامًا في مجال التمويل الدولي لا سيّما مع البنك الدولي في واشنطن العاصمة، حيث شغل العديد من المناصب العليا في كل من العمليات وعلى مستوى الشركات. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

وفيق جريس وفيق جريس

الأكثر قراءة