المصرفية العربية: الأداء الاقتصادي – الجزء السابع

وفيق جريس, 05 مارس/آذار 2015

ينظر القسم الأخير من هذه السلسلة المؤلفة من سبعة أجزاء في الأداء الاقتصادي للبنوك العربية، أو قدرة القطاع المصرفي على تعزيز النمو الاقتصادي والشمول، لا سيّما للشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم.

 

وباختصار، يبدو أنّ الأنظمة المالية في البلدان العربية أقلّ فعاليّة في تعزيز النمو الاقتصادي والشمول من تلك الدول الأقران الّتي تتمتّع بعمق مالي مماثل (باراجاس وشامي 2013).

 

ويبدو أنّ الميزانية العمومية مركّزة في مجموعها على تمويل القطاع العام في البلدان غير المنتمية إلى مجلس التعاون الخليجي، وعلى القروض الشخصية والعقارات في بلدان مجلس التعاون الخليجي. كما أنّ حصة قطاع الأعمال الواسع النطاق من التمويل المصرفي محدودة. فالأنظمة المصرفية في مصر والكويت والسعودية تعكس الأنماط الواسعة النطاق السائدة في المنطقة.

 

في مصر، 54 في المئة فقط من أصول البنوك مخصّصة لقروض وحسومات للاقتصاد، في حين يحشد تمويل الحكومة النسبة الأكبر، ما يعادل 41 في المئة في نهاية حزيران/يونيو 2012. وحتّى مع نسبة 54 في المئة ، يتطلّب تمويل القطاع الحكومي 4 في المئة إضافية من قروض وحسومات طويلة الأمد بالعملة المحلّية، و13 في المئة من قروض وحسومات طويلة الأمد بالعملة الأجنبية. بالإضافة إلى ذلك، يستقطب قطاع الأعمال العام 9 في المئة إضافية من التسليفات المصرفية بالعملة المحلية، و6 في المئة من التسليفات المصرفية بالعملة الأجنبية للاقتصاد. ونتيجة لذلك، يحصل قطاع الأعمال الخاص على 57 في المئة من تسهيلات التسليف بالعملة المحلية، و68 في المئة من تسهيلات التسليف بالعملة الأجنبية للاقتصاد.

 

أمّا في الكويت، فيمثّل الائتمان المصرفي للقطاع الخاص 56.8 في المئة من الأصول على الميزانية العمومية، كما يمثّل 55.7 في المئة في السعودية. وتستقطب القروض الشخصية والعقارات أكثر من 64 في المئة ( أو 37.5 في المئة و26.5 في المئة على التوالي) من التسهيلات الائتمانية الممنوحة للمقيمين في الكويت، في حين تبلغ المطالبات على الحكومة 3.6 في المئة فقط من أصول الميزانية العمومية للبنك.

 

وكذلك، تبلغ القروض الاستهلاكية 30.6 في المئة في السعودية، وتبلغ المطالبات على الحكومة 5 في المئة . وتبدو البنوك مرتاحة إزاء تمديد القروض الشخصية في بلدان مجلس التعاون الخليجي إذ يمكنها أن تخصّص راتب المقترض لها. ويتميّز النظام المصرفي في بلدان مجلس التعاون الخليجي أيضًا بحجم صافي الأصول الأجنبية الكبير الّذي يبلغ 68 في المئة من أصول النظام المصرفي في السعودية، وأكثر من 30 في المئة في الكويت.

 

وتظهر القدرة على وصول الخدمات المالية إلى شرائح كبرى من السكان والشركات كمظهر من مظاهر الشمول المالي. في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنّ الشرائح المعيّنة من السوق هي الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم. وتقف تحدّيات عديدة أمام وصول هذه الشرائح إلى التمويل المصرفي، بما في ذلك تصوّر البنك لمخاطرها، ونوعية المعلومات الّتي تقدّمها ودقّتها، والتكلفة المرتفعة لقروضها الصغيرة، والمعايير اللّازمة لتحديد برامج دعم لها، وتوفّر المعلومات لتقييم مخاطر الائتمان، وقدرة المصرفيين على إجراء تقييم لمخاطرها.

 

أمّا تداعيات التحديات المذكورة سابقًا فتكمن في الحجم المتواضع للتسليفات المقدّمة للشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم في البلدان العربية. اعتبارًا من عام 2010، كانت نسبة تسليفات هذه الشركات 8 في المئة فقط من مجموع التسليفات، مع 2 في المئة في بلدان مجلس التعاون الخليجي و12 في المئة في البلدان غير المنتمية للمجلس. وتعكس نسبة تسليفات الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم المنخفضة في بلدان المجلس صفات الاقتصاد المركّز على النفط. وعلى الرغم من أنّ نسبة التسليفات للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم خارج مجلس التعاون الخليجي مرتفعة أكثر، إلاّ أنّها لا تزال أقلّ من نسب نشاطات الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم في اقتصادات المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، إنّ نسب تسليفات الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم من مجموع التسليفات في بلدان مجلس التعاون الخليجي وخارجه أقلّ بكثير من أهداف البنوك الطويلة الأمد، مّما يشير إلى ضرورة منح تسليفات إضافية للشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم (روكا وآخرون 2011ب).

 

تقوم السلطات في المنطقة بالتشديد على أهمية منح التسليفات إلى الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم لأنّها تقرّ بالمساهمات المحتملة والمهمّة لهذه الشركات في الناتج المحلّي الإجمالي، والعمالة، والضرائب، والتجارة. على سبيل المثال، أنشأ البنك المركزي المصري وحدة الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم المتخصّصة عام 2009. وتوفّر هذه الوحدة خدمات متعدّدة لبناء قدرات وحدات الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم وطاقم العمل في جميع البنوك، وتعزّز وعي رواد الأعمال إلى أهمية الحصول على التمويل. وفي هذا السياق، يتمّ تطوير برامج مماثلة في بلدان أخرى، مع مساعدة البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية بشكل خاص، بالإضافة إلى وكالات معونة ثنائية.

 

ويسلّط تحليل المصرفية العربية المقدّم في هذه السلسلة المؤلّفة من سبعة أجزاء الضوء على ميزات وقضايا جوهرية، من دون ادّعاء الشمولية، على أمل أن يوفّر نظرة معمّقة إلى القضايا والتحدّيات الّتي تواجهها عملية تطوير الأنظمة المصرفية العربية، ويؤدّي إلى إجراء بحوث إضافية حول هذا القطاع.

 

لقراءة الجزء الأول، الجزء الثاني، الجزء الثالث، الجزء الرابع، الجزء الخامس، الجزء السادس

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


وفيق جريس مستشار دولي متخصص في التمويل الإسلامي، التنظيم المالي، تمويل الاستثمار، إدارة الأسهم الخاصة، وحوكمة الشركات مع خبرة عالية في الشركات الصغيرة والمتوسطة وتمويل النمو الأخضر. كان أحد مؤسسّي ورئيس مجلس إدارة Viveris المشرق، وهي شركة خدمات للاستشارات المالية ومقرها القاهرة، متخصصة في استثمارات الأسهم الخاصة في الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومرخصة من قبل الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر. قضى 28 عامًا في مجال التمويل الدولي لا سيّما مع البنك الدولي في واشنطن العاصمة، حيث شغل العديد من المناصب العليا في كل من العمليات وعلى مستوى الشركات. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

وفيق جريس وفيق جريس

الأكثر قراءة