المصرفية العربية: ملكية البنك – الجزء الثاني

وفيق جريس, 05 مارس/آذار 2015

يتناول الجزء الثاني من هذه السلسلة في هيكليات ملكية البنك في العالم العربي، بما في ذلك أهمية ملكية البنوك العامّة والأجنبية، بالإضافة إلى مخططات الملكية المترابطة السائدة في القطاع المصرفي العربي.

 

وعلى الرغم من تراجع دور البنوك المملوكة من الدولة، إلاّ أنّ وجودها ما زال مهمًّا في بعض الأسواق. فحصصها في السوق مرتفعة في بعض الأسواق، علمًا أنّ أكبر البنوك الوطنية مملوكة غالبًا من الدولة. واليوم، تبلغ أصول البنوك المملوكة من الدولة حوالى 35 في المئة. وفي تونس مثلاً، اعتبارا من نيسان/أبريل 2012، امتلكت ثلاثة بنوك مملوكة من الدولة، وثلاثة بنوك خاصة محليّة كبيرة 37 في المئة و28 في المئة من إجمالي الأصول المصرفية، على التوالي. وتؤدّي الدولة دورًا أساسيًّا بشكل مباشر من خلال البنوك المملوكة منها، وبشكل غير مباشر من خلال الشركات المملوكة من الدولة الّتي تُعتبر زبونًا مهمًّا لجميع البنوك التجارية. وتعيد الدولة رسملة البنوك العامة ذات الأداء الضعيف، عند الحاجة، من دون تغيير بنية حوكمتها (صندوق النقد الدولي 2012). أمّا في السعودية، فإنّ الهيئات الحكومية هي المساهم الأهمّ في أكبر ثلاثة بنوك.

 

وعلى ضوء التغيّرات السياسية في المنطقة، كان هناك توسع لبنوك مجلس التعاون الخليجي في بلدان عربية أخرى، وانسحاب لبعض البنوك غير الإقليمية. على سبيل المثال، اشترى بنك قطر الوطني بنك سوسيتيه جنرال في مصر من سوسيتيه جنرال، والبنك القطري-التونسي في تونس، و49 في المئة من بنك ليبيا للتجارة والتنمية. كذلك، توسّعت بنوك الكويت إلى الخارج (صندوق النقد الدولي 2013). فبنك البرقان والبنك الوطني الكويتي اشتريا شركات فرعية أجنبية مهمّة شكّلت أكثر من 31 في المئة من مجموع أصول مجموعة البنك الوطني الكويتي، ونحو 44 في المئة من مجموع أصول مجموعة بنك البرقان في نهاية 2012.

 

ومن جهة أخرى، البنوك الأجنبية لديها وجود محدود في البلدان العربية. البلدان العربية غير المنتمية إلى دول مجلس التعاون الخليجي والبحرين لديها عدد أكبر من البنوك الأجنبية أكثر من معدّل البلدان المتوسطة الدخل والعالم، على الرغم من أنّ هذا الوجود لا ينطبق على نسبة أصول البنوك الأجنبية. ارتفعت الملكية الأجنبية من 18 في المئة من إجمالي أصول البنوك في 2001 إلى 20 في المئة في 2008 (روكا وآخرون. 2011أ). ويحجب هذا الارتفاع الخجول انخفاضًا معتدلاً في بلدان مجلس التعاون الخليجي، وارتفاعًا أكثر أهميةّ في الأنظمة المصرفية للبلدان غير المنتمية إلى المجلس. في السعودية، تبقى البنوك الأجنبية متخصّصة بمجال معيّن مع حصة صغيرة في السوق (صندوق النقد الدولي 2011). أمّا في تونس، فتملك ستّة بنوك خاصة أجنبية 28 في المئة من الأصول المصرفية (صندوق النقد الدولي 2012).

 

وتتميّز بعض الأنظمة المصرفية العربية بترابط الملكية في المؤسسات المالية وبينها وبين المجموعات غير المالية. ويؤدّي هذا الترابط إلى عدم وضوح هيكليات المالكية، وإلى الفرص الحاليّة للإقراض المترابط بمحفّز المخاطر. بالإضافة إلى ذلك، إنّ نشر معلومات الملكية ضعيف جدًّا. ففي عدد من الأسواق، تعتبر المعلومات المتعلّقة بالملكية المصرفية سريّة وغير متوفّرة علنًا. وتوفّر معظم البنوك معلومات قليلة أو لا توفّر أي معلومة عن المساهمين "المستفيدين" أو "النهائيين".

 

وعلى سبيل المثال، إنّ روابط الملكية في النظام المالي الكويتي معقّدة، مع صلات وثيقة بين المجموعات الصناعية والتجارية، والبنوك، والشركات السيادية، وشركات الاستثمار.[1] وتملك بعض المجموعات الصناعية والتجارية الكبيرة أسهم ملكية في بنوك كويتية، وتملك الدولة أسهمًا مباشرة وغير مباشرة في العديد من البنوك. في المقابل، تملك البنوك شركات استثمار وتوفّر القروض للمجموعات الصناعية والتجارية وشركات الاستثمار. أيضًا تملك شركات الاستثمار أسهمًا في بنوك ومجموعات صناعية وتجارية. وعلى الرغم من أنّ هذه الروابط قد تولّد علاقات مالية خطرة، إلاّ أنّه يبدو أنّه يتم احتواء هذه العلاقات. فالخطر الناجم عن هذه الروابط المباشرة بين البنوك المحليّة وشركات الاستثمار يبدو محدودًا، لأنّ البنوك تقوم بتقليص تعرضها المباشر، وبوضع إجراءات وقائية ضد الشركات الاستثمارية الضعيفة.

 

وينظر الجزء الثالث من هذه السلسلة في الأطر التنظيمية الاحترازية الجزئية الّتي تساعد على تأمين استقرار البنك واستدامته.

 

لقراءة الجزء الأول، الجزء الثالث، الجزء الرابع، الجزء الخامس، الجزء السادس، الجزء السابع

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


[1] بناء على صندوق النقد الدولي (2013).

 


وفيق جريس مستشار دولي متخصص في التمويل الإسلامي، التنظيم المالي، تمويل الاستثمار، إدارة الأسهم الخاصة، وحوكمة الشركات مع خبرة عالية في الشركات الصغيرة والمتوسطة وتمويل النمو الأخضر. كان أحد مؤسسّي ورئيس مجلس إدارة Viveris المشرق، وهي شركة خدمات للاستشارات المالية ومقرها القاهرة، متخصصة في استثمارات الأسهم الخاصة في الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومرخصة من قبل الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر. قضى 28 عامًا في مجال التمويل الدولي لا سيّما مع البنك الدولي في واشنطن العاصمة، حيث شغل العديد من المناصب العليا في كل من العمليات وعلى مستوى الشركات. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

وفيق جريس وفيق جريس

الأكثر قراءة