النوع الاجتماعي والتعليم في المنطقة العربية: تراجع التكافؤ بين الجنسين في سلُم التعليم – الجزء الثاني

ريما ناير بلاساندرم, 04 يونيو/حزيران 2015

كما هو مبيّن في الجزء الأوّل من هذه التدوينات، تراجع معدّل التفاوت بين الجنسين في المنطقة العربية، لكنه لم يتلاشَ تمامًا. في هذا الإطار، يبحث هذا الجزء في التوجّهات الحالية للتكافؤ بين الجنسين في مراحل التعليم الثانوي وما بعد الثانوي، كما يتعمّق في المؤشّرات والعوامل التي تعكس إنجازات الفتيات اللواتي يرتدنَ المدارس في مجال التعليم العالي. 

 

صحيحٌ أنّ مؤشّر التكافؤ الإجمالي قد سجّل أعلى معدّلاته في مراحل التعليم الابتدائي في مختلف أنحاء المنطقة، متقدّماً من 0.88 عام 2005 إلى 0.95 عام 2011 ، لكنّ التكافؤ بين الجنسين ما زال يطرح مشكلةً في مختلف مراحل التعليم الأخرى، بما في ذلك مرحلة التعليم ما قبل الابتدائي. ويتجلّى هذا الإنجاز في تمكُّن الأردن وقطر من بلوغ الهدف المحدّد لهما على صعيد تأمين التكافؤ بين الجنسين للمرحلتين الابتدائية والثانوية بحلول عام 2005. لكن رغم التطوّر في مجال تأمين الوصول إلى التعليم والانخراط في المرحلة الابتدائية، لا يزال 6 ملايين طفل في المنطقة خارج المدرسة. ومن غير المفاجئ أيضًا أنّ إحتمال إقصاء الفتيات عن المدرسة أعلى من إحتمال إقصاء الفتيان. في الواقع، إنّ ثلاثة من كلّ خمسة أطفال لا يرتادون المدرسة، في سنّ الصفوف الابتدائية، هم من الفتيات.

 

تاريخياً، لطالما كان تحقيق التكافؤ بين الجنسين في مرحلة التعليم الثانوي مهمّةٌ أكثر صعوبة بكثير. فمنذ العام 2005، نجحت ثلثي الدول العربية في تحقيق التكافؤ بين الجنسين في المرحلة الابتدائية، أو كادت أن تفعل ذلك، مقابل معدّل نجاح لم يتجاوز الـ 35 في المئة في مرحلة التعليم الثانوي. يظهر التفاوت بين الجنسين في المرحلة الثانوية تنوّعًا كبيرًا. تجدر الإشارة إلى أنّ مؤشّر التكافؤ الإجمالي في تسع دول كان يصبّ في مصلحة الفتيات عام 1999 (الأردن، والإمارات، والبحرين، والجزائر، وفلسطين، وقطر، والكويت، وعمان ولبنان)، وازداد التفاوت في أربع من هذه الدول بحلول العام 2011، وهي: الأردن والجزائر وفلسطين ولبنان. أما في تونس، فقد انتقل مؤشّر التكافؤ الإجمالي من وضعٍ مجحف للفتيات إلى وضعٍ أكثر إنصافاً لهنّ. وفي ثلاث دول (المغرب والمملكة العربية السعودية وموريتانيا)، تحسّن مؤشّر التكافؤ في المرحلة الثانوية، لكنه بقي رغم ذلك ما دون 0.9. أما دول أخرى، مثل جيبوتي واليمن، فبقيت تسجّل مؤشّرات متدنيّة بلغت 0.76 و0.63 على التوالي في العام 2011. وفي العام 2011، بلغ مؤشّر التكافؤ الإجمالي بالنسبة للتعليم الثانوي في المنطقة بأكملها 0.93.

 

بالرغم من هذه الإنجازات، تباطأت وتيرة التخفيف من التفاوت بين الجنسين في التعليم الثانوي في المنطقة. ورغم وجود اختلافاتٍ بين الدول نتيجة ارتفاع نسبة إقبال الفتيات على التعلّم في دول مثل موريتانيا، والمغرب، واليمن، إلا أنّ التوجّهات الإجمالية لتعزيز نسبة ارتياد الإناث للمدارس ما زالت متدنية. ففي جيبوتي، ازدادت نسبة التفاوت على حساب الفتيات، في حين ازداد وضع الفتيان سوءاً في تونس وفلسطين والكويت منذ العام 2000.

 

أما التكافؤ بين الجنسين في مرحلة التعليم ما بعد الثانوي، فلم يكن ملحوظاً في أيٍّ من الدول. ومن أصل الدول الاثنتين والعشرين في المنطقة، كانت دولتان لا تملكان أيّ بيانات بشأن نسبة ارتياد مؤسسات التعليم ما بعد الثانوي. إلى جانب ذلك، أظهرت ثلاث عشرة دولة أنّ نسبة النساء في هذه المرحلة التعليمية فاقت نسبة الرجال؛ لا بل إنّ النساء شكّلنَ، في بعض الحالات، أكثر من ثلثي المرتادين لمرحلة التعليم ما بعد الثانوي. أما في سبع دول (جزر القمر، وجيبوتي، والعراق، ومصر، والمغرب، وموريتانيا واليمن)، فكانت نسبة النساء في المرحلة التعليمية المذكورة أقل بكثير من نسبة الرجال.

 

من التوجّهات اللافتة أيضاً حالات الرسوب في الصفوف الدراسية في المنطقة. فقد تبيّن أنّ الفتيات اللواتي يرتدنَ المدرسة يسجّلنَ أداءً أفضل من الفتيان. في الواقع، إنّ نسبة الفتيات الراسبات في المرحلة الابتدائية والثانوية كانت أدنى من نسبة الفتيان. فقد أظهرت تقارير البنك الدولي أنّ نسبة الفتيات اللواتي يستكملنَ مراحل التعليم الأساسية كانت أعلى من نسبة الفتيان في كافة الدول العربية التسع التي شملتها البيانات، وهو أمرٌ يتعارض مع البيانات المتعلقة بارتياد المدارس واستكمال المراحل التعليمية. ففي المملكة العربية السعودية، لوحظ تفاوتٌ كبير في المرحلة الابتدائية، حيث نال أكثر من نصف الفتيان، مقابل أقل من ثلث الفتيات، علامات غير مشجّعة.

 

فضلاً عن ذلك، أظهرت الدراسات أنّ الفتيات يحرزنَ نتائج أفضل من الفتيان في مرحلة التعليم الثانوي كذلك. ففي تسع من الدول العربية الإحدى عشرة التي توفّرت فيها نتائج المراحل التعليمية، تبيّن أنّ نسبة الفتيات المقبلات على التعلّم كانت أعلى من نسبة الفتيان. وفي أربع دول عربية (الأردن، والإمارات، البحرين وعمان)، كان معدّل الفتيان الذين لم يحرزوا نتائج دراسية غير مشجّعة أعلى بـ15 في المئة من معدّل الفتيات.

 

في هذا الإطار، افترض الخبراء أنّ وجود المدرّسات يساعد في ضمان ارتياد الفتيات لمراكز التربية والتعليم. لكن ما زال من الصعب تتبّع البيانات المتعلقة بالمدرّسات. ففي الدول القليلة التي توفّرت لديها بيانات عن هذا الموضوع، تبيّن أنّ نسبة المدرّسات في مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي كانت مرتفعة، لكنها ما لبثت أن تراجعت في المرحلة الابتدائية، حتى باتت أقل من النصف في المرحلة الثانوية، ثم هبطت إلى الثلث في مرحلة التعليم ما بعد الثانوي. وفي بعض الدول مثل جيبوتي وموريتانيا، كانت نسبة المدرّسات متدنية للغاية في مرحلة التعليم الابتدائي كذلك. هنا، يمكن التعمّق أيضاً في الترابط الإيجابي على ما يبدو بين تراجع مؤشّر التكافؤ الإجمالي وتراجع نسبة المدرّسات، في ظلّ اجتياز الطلاب للمراحل التعليمية المتلاحقة. من هذا المنطلق، يمكن أن يؤدي هذا البحث إلى استخلاص بعض النتائج المهمّة في ما يتعلّق بتعزيز مستوى التكافؤ، من خلال زيادة مشاركة الإناث في مراحل التعليم العالي.

 

يمكنكم قراءة الجزء الأول هنا.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


ريما ناير بلاساندرم متخصصة في مجال التعليم في آسيا وأفريقيا. عملت على نطاق واسع، في مناصب قيادية للفرق التنفيذبة، في قطاع التعليم في البنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومؤسسة التمويل الدولية. قادت بعثات وفرق عمل لتقديم المساعدة التقنية في آسيا وأفريقيا، مع التركيز على التعليم الابتدائي والثانوي والعالي على مر السنين. كما قادت أيضًا عمليات وتقييم البرامج العالمية والإقليمية المشتركة في قطاع التعليم في آسيا وأفريقيا. حاصلة على شهادات دراسات عليا في إدارة التنمية، وفي علوم الأطعمة والتغذية، وتخصص في السياسة الاقتصادية والعامة.

ريما ناير بلاساندرم ريما ناير بلاساندرم

الأكثر قراءة