الوظائف والمهارات في العالم العربي: تحدّيات وحلول – الجزء الأول

ريما ناير بلاساندرم, 04 يونيو/حزيران 2015

شهد العالم العربي تطوّرات اجتماعية واقتصادية ملحوظة خلال العقد الأخير. وتشير تقارير إلى أنّ 10 ملايين شخص تقريبًا يدخلون إلى سوق العمل سنويًا. مع ذلك، هناك حاجة إلى إستحداث 40 مليون فرصة عمل خلال العقد القادم لمواكبة وتيرة ارتفاع الطلب على الوظائف. لكنّ التحدي الأساسي الذي يواجه الدول العربية اليوم يكمن في قابلية توظيف الشباب. فعلى نحوٍ غير متناسب، يحتوي العالم العربي على الحصّة الأكبر من الشباب وعلى الحصّة الأكبر من الشباب الذين يعانون من البطالة بالمقارنة مع نظرائهم من الشباب في بقية أنحاء العالم. فضلاً عن ذلك، تسجّل اليد العاملة الشبابية في المنطقة أقل نسبة مشاركة في سوق العمل في العالم، أي بمعدّل 48 في المئة بالمقارنة مع 74 في المئة في الأميركيتين و62 في المئة في أوروبا. وليس هذا فحسب، بل إنّ نسبة مشاركة النساء الشابات في سوق العمل تعتبر أكثر تدنيًا من ذلك بالمقارنة مع بقية أنحاء العالم، حيث بلغت 27 في المئة فقط في العام 2013 بالمقارنة مع 64 في المئة في الأميركيتين و55 في المئة في أوروبا و62 في المئة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. أما مشاركة الشباب الذكور، فقد بلغت 70 في المئة في العام 2013، وهو مستوى مشابه لما بلغته أوروبا، لكنه أدنى من نسبة 84 في المئة و76 في المئة التي سجلتها الأميركيتان وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على التوالي.


تشير تقارير البنك الدولي إلى أنّ نسبةً كبيرةً من الشباب العرب الحاصلين على فرص عمل لا يشغلون وظيفةً تستغلّ كامل ما يتمتّعون به من مؤهلات. فتبلغ نسبة هذه العمالة الناقصة في العالم العربي 38 في المئة وتعتبر مشابهة للنسبة المسجّلة في أفريقيا جنوب الصحراء، إلا أنها أكثر ارتفاعًا بكثير مما تسجّله بقية دول العالم. وتجدر الإشارة إلى أنّ نسبة العمالة الناقصة لا تتراجع بحسب مستويات التعليم. فما زال أكثر من 44 في المئة من خرّيجي الجامعات يشغلون وظائف أقلّ من مستوى كفاءاتهم.


من هذا المنطلق، يمكن القول إنّ ارتفاع معدّل البطالة والعمالة الناقصة في أوساط الشباب يعتبر مشكلةً اقتصاديةً كبيرة تعكس أنّ العالم العربي لا يستغلّ كامل القدرات الإنتاجية لموارده البشرية. ولعلّ إحدى الطرق المناسبة لمعالجة هذا الأمر تتمثّل بتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في إستحداث الوظائف، مما يمكن أن يساعد في توظيف الشباب بنسبةٍ أكبر. لكنّ تحليل عرض اليد العاملة في المنطقة يشير إلى أنّ، وبالرغم من ارتفاع معدّل البطالة، آلاف الوظائف ما زالت شاغرة، بسبب الافتقار إلى المرشّحين الكفوئين. في الواقع، تعمد عدّة دول عربية إلى توظيف اليد العاملة الأجنبية لتنفيذ وظائف التصنيع التي يمكن أن يؤديها أصحاب الكفاءات المحلية بكلّ سهولة. لذا، هناك عدم تطابق بين المهارات التي يتعلّمها الشباب العربي في المدارس والجامعات من جهة والمهارات المطلوبة في الأسواق من جهة أخرى، مما يعكس فجوةً على صعيد المهارات وعدم توافق بين العرض والطلب.


ومع أنّ دول مجلس التعاون الخليجي حقّقت نموًّا اقتصاديًا عاليًا وسجّلت نسبةً جيّدةً من الاستثمارات في قطاع التربية، إلا أنّها تواجه صعوبةً في توظيف مواطنين خليجيّين يتمتّعون بالكفاءات المطلوبة، في حين يبقى آلاف النساء والرجال الشباب يعانون من البطالة والعمالة الناقصة. فقد بقيت معدّلات البطالة في أوساط الشباب في دول الخليج مرتفعةً خلال العام 2011، حيث بلغت 23.3 في المئة.


لكن تجدر الإشارة إلى التقدّم الذي سجّلته الإمارات العربية المتّحدة على صعيد اعتماد استراتيجية مناسبة للنظم الاقتصادية القائمة على المعرفة والابتكار. فتشير تقارير البنك الدولي إلى أنّ الإمارات ضاعفت نسبة توظيفها للأشخاص من 1.7 مليون في العام 2000 إلى 3.5 مليون في العام 2009، مسجّلةً معدّل نموّ سنويّ إجماليّ بلغ 3.8 في المئة. وقد شهدت الإمارات هذه التطوّرات خلال العقدين الأخيرين، بفضل الارتكاز على استراتيجية واضحة قائمة على المعرفة والابتكار، مطوّرةً مجموعةً أساسيةً من الكفاءات في مجالات التكنولوجيا والإعلام والاتصال.


إلى جانب ذلك، تشير التقارير إلى ضرورة أن يعمل العالم العربي على تطوير النظم الاقتصادية القائمة على المعرفة والابتكار. ويشترط هذا الأمر توافر عناصر أساسية، مثل تطبيق إصلاحات مؤسساتية أساسية لتحسين نوعية تعليم إدارة الأعمال ومناخ الاستثمار. فضلاً عن ذلك، يجب العمل على تشجيع القطاعات المرتكزة على المعرفة، مع الالتزام بالتنويع الاقتصادي، وتحسين مستوى الدمج الإقليمي والدولي.


أظهرت دراسةٌ أخيرةٌ للوظائف والمهارات في المنطقة أنّ العوامل الأساسية التي يمكن أن تحفّز على النموّ أربعة. العامل الأوّل هو إنشاء قطاع خاص أكثر حيوية يستند إلى الرأسمال البشري في المنطقة، مع ضرورة التخفيف من العوائق التي تمنع الدخول إلى الأسواق والدور الذي يمكن أن يؤدّيه ذلك في تحفيز الاستثمار. أما العامل الثاني، فهو فتح الأسواق أمام الموارد البشرية كي تتنقّل فيها المهارات، مع إزالة القيود المتعلقة بالتمييز بين القطاعين العام والخاص. من جهته، يتمثّل العامل الثالث بالتركيز على تحسين دور الأجيال القادمة من خلال مساعدتها على الوصول إلى المعرفة والمهارات وإزالة الفجوات على صعيد المعلومات. أما العامل الرابع، فهو إجراء تدخلات قصيرة المدى لتلبية الاحتياجات الفورية من خلال عقد اتفاقيات اجتماعية على المدى المتوسط ذات صلة بالإصلاح، وتطبيق هذه الإصلاحات خاصّة في ما يتعلّق بمنظور أسواق العمل.


الجزء الثاني من هذه التدوينة يسلط الضوء على أحد أكثر مجالات توظيف الشباب ودمجهم نجاحاً، من خلال "مبادرة التعليم من أجل التوظيف للشباب العربي."

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


ريما ناير بلاساندرم متخصصة في مجال التعليم في آسيا وأفريقيا. عملت على نطاق واسع، في مناصب قيادية للفرق التنفيذبة، في قطاع التعليم في البنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومؤسسة التمويل الدولية. قادت بعثات وفرق عمل لتقديم المساعدة التقنية في آسيا وأفريقيا، مع التركيز على التعليم الابتدائي والثانوي والعالي على مر السنين. كما قادت أيضًا عمليات وتقييم البرامج العالمية والإقليمية المشتركة في قطاع التعليم في آسيا وأفريقيا. حاصلة على شهادات دراسات عليا في إدارة التنمية، وفي علوم الأطعمة والتغذية، وتخصص في السياسة الاقتصادية والعامة.

ريما ناير بلاساندرم ريما ناير بلاساندرم

الأكثر قراءة