تخفيض سعر الجنيه المصري: ما الجديد؟

أحمد غنيم [[email protected]], 13 أكتوبر/تشرين الأول 2016

تعاني مصر في الآونة الأخيرة من أزمة كبيرة في النقد الأجنبي، ومما ساعد في تزايد الأزمة الحوادث الأمنية منها، الهجوم الإرهابي على الطائرة الروسية المتجهة إلى سانت بطرسبرغ من شرم الشيخ في العام 2015. حيث أوقفت عدة بلدان غربية رحلاتها إلى مصر، مما تسبب في انخفاض حاد في السياحة، وهي مصدر أساسي للنقد الأجنبي لمصر.

 

كما رافق ذلك انخفاض عائدات قناة السويس، نتيجة التباطؤ الاقتصادي في التجارة العالمية، وهي تمثل مصدر النقد الأجنبي الثاني لمصر. إضافةً إلى ذلك، فإن مالية الحلفاء العرب قد تباطأت بسبب عدة عوامل، منها الانخفاض العالمي في أسعار النفط وتدخلهم العسكري. كما أنّ الخمول في الإقتصاد المصري منذ ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير أفضى إلى انخفاض في التصديرات والإستثمار الخارجي المباشر بشكل عام. نتيجةً لذلك، انخفضت مصادر النقد الأجنبي لمصر بشكل كبير. وفي الوقت ذاته، لم تشهد نفقات النقد الأجنبي، لتغطية الصادرات التقليدية واحتياجات مالية أخرى، أي تغيير. وبالفعل، فإن نفقات النقد الأجنبي هذه قد تكون قد عانت من ضغط ناتج عن الشروع بمشاريع هائلة بما فيها توسيع قناة السويس وإعلان عاصمة إدارية جديدة استصلاح مليون "فدان" (حوالي 1,038 أكرًا) من الصحراء. نتيجةً لذلك، شهدت البلاد ضغطًا هامًا على احتياطات النقد الأجنبي خاصتها. وحتى الآن، هي حالة تقليدية لبلد بحاجة إلى تخفيض عملته، إلا أنه ثمة عدد من الجوانب التي يجب أخذها بعين الإعتبار من منظار الإقتصاد السياسي.

 

الجانب المهم الأول الذي يجعل حالة تخفيض العملة المحددة هذه مختلفةً عن سابقاتها، هو المستوى المرتفع للسوق السوداء، والذي تجاوز الـ 40%. ويشير هذا المستوى المرتفع أن التباعد بين المعدل الرسمي الذي أعلنه البنك المركزي المصري والسوق الفعلية كبير جدًا. وبصرف النظر عن الأسباب وراء تباعد بهذا الحجم، فإن معالجة السوق السوداء يعني تخفيضًا هائلًا للعملة، مصحوبًا بضخ كاف للعملة الأجنبية في السوق لضمان تقلص الفجوة بين السوق الرسمية والسوق السوداء. وبازدياد التخفيض، تتقلص الوسادة المالية المطلوبة، مما يسمح للبنك المركزي المصري بالدخول إلى منطقة الراحة، إلا أن كلفة هذا الأمر ستشمل معدل تضخم أعلى، مما قد لا يكون بالإمكان تحمّله من وجهة نظر الإقتصاد السياسي. والخيار الآخر سيكون التوجه إلى درجة أدنى من تخفيض العملة، إلا أن هذا الأمر سيتطلب كمية كبيرة من الوسادة المالية ولن يقفل الهوة على الأرجح، لا بل قد تصبح أوسع. من منظار الاقتصاد السياسي، لن يؤدي هذا الأمر إلى معدلات تضخم أعلى بالمطلق (على الأقل من تلك التي أعلنها البنك المركزي المصري)، إلا أنه سيترك البنك المركزي المصري في حالة نزاع لتقليص الفجوة وضمان وفرة العملة الأجنبية للاحتياجات الأساسية. ومما لا شك فيه أن البنك المركزي المصري سيكون أمام خيار صعب. وينطوي الخياران على تكاليف اقتصادية (استنفاد الإحتياطات الأجنبية) وسياسية (معدلات تضخم أعلى واضطرابات اجتماعية وسياسية محتملة) لا يمكن تحديدها أو احتسابها مسبقًا بسهولة.

 

الجانب الهام الثاني في هذه الأزمة هو تأخير البنك المركزي المصري في التعامل مع تخفيض العملة، مما أدى في نهاية المطاف إلى علاوة السوق السوداء الهائلة وغير المسبوقة هذه، ولأسباب. وقد يعني ذلك أن القرار سياسي، وأن الإعلان عنه ليس في أيدي البنك المركزي المصري بالكامل. وقد يشير أيضًا إلى أنّ الأداء المتواضع للبنك المركزي المصري في إدارة الأزمة وفترة انتظار البنك المركزي المصري متصلة بالمفاوضات بين صندوق النقد الدولي والحكومة المصرية حول حزمة الإصلاح الإقتصادي لمصر. وبصرف النظر عن السبب أو الأسباب الخاصة وراء التأخير، فإن التكاليف الإقتصادية لتأخير مماثل لا يمكن تجاهلها، ليس من  الناحية النقدية وحسب، بل أيضًا من ناحية زيادة عدم اليقين والشفافية المستضعفة في البيئة التجاري، مما قد يتسبب بشكل غير مباشر بخسارة في فرص الإستثمار.

 

الجانب الهام الثالث هو نوع نظام العملة الأجنبية الذي من المحتمل اعتماده من قبل البنك المركزي المصري في أعقاب تخفيض العملة. وقد أعلنت مصر نظامها في صندوق النقد الدولي على أنه بلد يعتمد نظام أسعار صرف مرنة في حين أن الممارسة الفعلية هي نظام أسعار صرف ثابتة موجه نحو تثبيت سعر الدولار الأميركي وليس التضخم. ومن الجدير بالذكر أن إعلان البنك المركزي المصري في عهد مبارك من قبل حاكم البنك المركزي المصري نصّ على أنّ الهدف الرئيسي للسياسة النقدية هو استهداف التضخم، والذي لا يبدو أنه الحال الآن. ولا يستطيع نظام العملة الأجنبية هذا، كما تظهر الظروف الراهنة، التكيّف مع الإقتصاد المصري في وضعه الحالي. ومن المشكوك فيه جدًا أن تعويم شامل سيحصل، إلا أنه من المحتمل بالتأكيد أن يتوجب اعتماد نظام أسعار صرف أكثر مرونة، وعلى الأرجح سيتم اعتماد سعر صرف ثابت مع نطاقات متسعة تسمح للسوق بتحديد السعر (نظام أسعار صرف عائمة موجهة).

 

الجانب الهام الرابع الذي تبينه أزمة النقد الأجنبي الحالية هو أنّ إدارة السياسة النقدية، وعلى وجه التحديد إدارة العملة الأجنبية، لا يمكن أن تكون مسؤولية البنك المركزي المصري بشكلٍ كاملٍ. وقد تمّ تفاقم الأزمة، والتي بدأت في الواقع مباشرةً بعد ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير في العام 2011، بسبب النقص في التنسيق بين الحكومة المصرية والبنك المركزي المصري من ناحية، ولأن البنك المركزي المصري يُعتَبَر المنقذ الوحيد لاحتياطات العملة الأجنبية من ناحية أخرى. وقد أوحت الأحداث (الصدمات في المصطلحات الإقتصادية) التي شهدها النظام السياسي الإقتصادي المصري بما فيها أزمة السياحة والشروع بالمشاريع الضخمة والتصعيد العسكري في المنطقة، إلخ بأنّ البنك المركزي المصري هو مجرد جهة فاعلة، بين غيره، في عملية التعامل مع احتياطات أسعار الصرف. وقد يكون هو المدير الوحيد للإحتياطات، إنما من دون شكّ بالمعنى الضيق للكلمة، إذا ليس بإمكانه التعامل بالعرض والطلب للعملة الأجنبية، بالأخص في عهد اضطرابات مثل الذي تمر فيه مصر منذ ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير. وقد يتطلب هذا الأمر إصلاحًا تنظيميًا للقوانين المتعلقة ب الأجنبي والجهات الفاعلة المعنية بتناول إدارته.

 

وأخيرًا تجدر الإشارة إلى أنّ تخفيض العملة هو إجراء ضروري لا بديل آخر عنه. ولتخفيض مفاعيله السلبية من منظار اجتماعي-اقتصادي، تدعو الحاجة إلى إدارة حذرة من قبل البنك المركزي المصري، إلا أنّ الإدارة الأفضل هي شرط ضروري إنما غير كاف لنجاح التخفيض. ويبقى أن آلية تنسيق مع الحكومة المصرية تتمّ إدارتها بشكل فاعل واتخاذ قرارات في الوقت المناسب وإدراك جيد لآليات أسواق السلع والأسواق المالية من قبل حاكم البنك المركزي المصري هي كلها عناصر هامة لنجاح تخفيض العملة.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


أحمد غنيم أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة. وهو باحث في منتدى البحوث الاقتصادية للدول العربية (ERF) في مصر، وفي مركز البحث الاقتصادي والاجتماعي (CASE) في بولندا.

 


إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

أحمد غنيم [aghoneim@gmx.de] أحمد غنيم [[email protected]]

الأكثر قراءة