توسيع وساطة المؤسسات المالية غير المصرفية في العالم العربي

وفيق جريس, 04 مارس/آذار 2015

تشكّل المؤسسات المالية غير المصرفية جزءًا حيويًّا من المشهد المالي في الاقتصادات المتطوّرة. وتؤدّي مؤسسات كشركات التأمين، وصناديق المعاشات التقاعدية الخاصة، والصناديق المشتركة، وشركات الائتمان الإيجاري، وشركات التخصيم، دورًا أساسيًّا يصبّ في مصلحة القطاع الحقيقي، فهي تتنافس مع البنوك التقليدية وتكمّلها. وتزيد هذه المنافسة من فعالية البنوك وتوسّع نطاق الخدمات المالية المتوفّرة بشكل خاص للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والأسر.

 

حاليًا، إنّ المؤسسات المالية غير المصرفية غير متطوّرة في العالم العربي. فالقطاع المصرفي العام الّذي تشكّل أصوله أكثر من 130 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في العالم العربي، يسيطر على عالم الأموال. ولكن يتعارض ذلك مع حال شركات التأمين والصناديق المشتركة، الّتي يشكّل معدّل أصولها 5 في المئة من إجمالي الناتج المحلّي، والّتي تفوق نسبة أصول إجمالي الناتج المحلّي للمؤسسات المالية غير المصرفية الأخرى البالغ 1 في المئة.

 

وستحتاج الدول العربية إلى حضور كبير وقوي للمؤسسات المالية غير المصرفية من أجل تطوير نظم مالية متنوّعة ومتقدّمة. وعلى الحكومات أن تطوّر وتعزّز بيئة تمكينية من خلال وضع سياسات، وتشريعات، وأنظمة، وتطبّق نظامًا ضرائبيًا فعّالاً، وتدعم بناء القدرات التقنية. وتشير بعض الأمثلة التالية إلى صعوبة تعزيز المؤسسات المالية غير المصرفية.

 

ويتّسم قطاع التأمين في المنطقة بمستوى اختراق منخفض، وبنسبة ضئيلة من الأصول إلى إجمالي الناتج المحلّي المتعلّقة بالمستويات المتوقّعة، مع الأخذ بالاعتبار دخل المنطقة للفرد والصفات الديموغرافية. ويطغى على التأمين حاليًا قطاعات السيارات، والنقل، والبناء، في حين يتمّ إهمال التأمين على الحياة. ويعزى التطوّر البطيء لهذا القطاع إلى نقص التأمين الإلزامي في مجالات أساسية، وهيمنة الشركات المملوكة من الدولة في بعض الدول، والضعف التنظيمي والإشرافي، وقواعد ضرائبية غير مناسبة، وغياب المهارات التقنية. وقد أحرز المغرب تقدّمًا كبيرًا في إنشاء نظام تنظيمي قوي، ومجالات تأمين إلزامي. وتبعه أيضاً تقدّم ملحوظ في مصر، والأردن، وتونس. ولكن، ينبغي أن تتعافى بلدان أخرى مثل ليبيا، وسوريا، والجزائر من التأميم السابق.

 

كما نجد أنّ أسواق صناديق التقاعد العربية مفكّكة. فصناديق التقاعد الخاصة نادرة، وتستهدف موظفين في القطاع المالي، لاسيّما أنّ برنامج الرفاه الاجتماعي يؤمّن مكاسب كثيرة لجميع السكان. ولكن على هذه الصناديق الخاصة أن تجمع المزيد من الموارد المالية. من جهة أخرى، استطاعت صناديق التقاعد العامة أن تجمع أصولاً بنسبة 20 في المئة من إجمالي الناتج المحلّي في بلدان كالبحرين، ومصر، والأردن، والكويت، والمغرب، والسعودية، استجابةً إلى الحاجة لفقاعة الشباب الديموغرافية. ولكن، تبقى حوكمة صندوقي التقاعد، الخاص والعام، غير واضحة، وتغيب عنها الشفافية في ظلّ سياسات الاستثمار المحافظة والتنظيمية. وقامت بعض البلدان فقط كالأردن والمغرب، بإدخال إصلاحات إلى حوكمة وشفافية صناديقها (روكا، آرفاي، وفارازي 2011).

 

وفي الإطار نفسه، يتمّ إهمال تنمية الصناديق المشتركة في البادان العربية، ويتمّ تقييدها من خلال الخلل الّذي يطال الأسواق والأنظمة، بما فيها قيود الاستثمار العابر للحدود، وانعدام الإمداد الضروري للأدوات الملائمة، بخاصّة أدوات الدخل الثابت الخاصّة. ويبقى البحرين والمغرب البلدين الّذين شهدا ارتفاعًا في أصول صناديقها المشتركة إلى 25 في المئة من إجمالي الناتج المحلّي، في حين يبقى مجموع أصول الصناديق المشتركة المصرية، والكويتية، والسعودية، والتونسية، منخفضاً ليبلغ 5 إلى 7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

 

وأخيراً، لا تزال أسواق التخصيم والإيجار في البلدان العربية تواجه عائق انعدام إطار عمل قانوني وواضح يحدّد موجبات الأطراف، وغياب سجّلات الأصول المؤجّرة، وعدم فعالية آليات التملّك. كما تتزايد نسبة التأجير في البحرين والكويت وتونس والإمارات العربية المتّحدة، الّتي تشكّل مجموعةً 60 في المئة من سوق التأجير العربي. وقد أدّى توافق التأجير التشغيلي مع الشريعة الإسلامية إلى ازدياد سريع في القطاع في مصر، والمغرب، والأردن.

 

وبينما يدخل العالم العربي إلى المجتمع المالي العالمي، سيكون من الضروري تخطّي التحدّيات القانونية، والتنظيمية، والمحفّزة الّتي تواجه نمو المؤسسات المالية غير المصرفية.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


وفيق جريس مستشار دولي متخصص في التمويل الإسلامي، التنظيم المالي، تمويل الاستثمار، إدارة الأسهم الخاصة، وحوكمة الشركات مع خبرة عالية في الشركات الصغيرة والمتوسطة وتمويل النمو الأخضر. كان أحد مؤسسّي ورئيس مجلس إدارة Viveris المشرق، وهي شركة خدمات للاستشارات المالية ومقرها القاهرة، متخصصة في استثمارات الأسهم الخاصة في الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومرخصة من قبل الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر. قضى 28 عامًا في مجال التمويل الدولي لا سيّما مع البنك الدولي في واشنطن العاصمة، حيث شغل العديد من المناصب العليا في كل من العمليات وعلى مستوى الشركات. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

وفيق جريس وفيق جريس

الأكثر قراءة