توقّعات الاقتصاد الكلي في المنطقة العربية: تخطّي الضائقة المالية خلال أزمة "كوفيد-19"

23 يوليو/تموز 2020

 

 

كان لتفشي فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" وتدابير الإغلاق الناتجة عنه أثر كارثي على اقتصادات العالم بأسره، بما في ذلك اقتصادات البلدان العربية. كما أن مستوى الضائقة المالية الذي تعاني منه الحكومات في أنحاء العالم بسبب هذا الوباء العالمي غير مسبوق. بالإضافة إلى ذلك، ترزح القنوات التي تتسبب تقليدياً بأثرٍ مشابه تحت وطأة متغيّرات داخلية وخارجية تُفاقم الوضع.

 

القناة المالية الأولى متصلة بتراجع الإيرادات الحكومية الناجم عن تباطؤ الاقتصاد العالمي، وبالتالي الاقتصادات العربية. يعكف "صندوق النقد الدولي" على مراجعة توقعات النمو للاقتصاد العالمي. في منشور صادر في أبريل/نيسان 2020، نقحّ الصندوق توقعات النمو لجميع البلدان العربية بتخفيضها، حيث من المتوقع أن تُسجل جميعها، باستثناء مصر، نمواً سلبياً. وبحسب "البنك الدولي" (2020أ)، من المرجح أن يُكلِّف أثر الجائحة البلدان العربية نحو 3.7 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي الجماعي، أي ما يساوي نحو 42 مليار دولار أميركي. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقّع أن يؤدي أثر الجائحة إلى خسارة 1.7 مليون وظيفة في المنطقة العربية، ووقوع 8.3 مليون شخص جديد في الفقر (الإسكوا، 2020أ).

 

ومن المتوقع أيضاً أن تتباطأ التدفقات السنوية للاستثمارات الأجنبية المباشرة بشكل كبير في البلدان العربية مع تراجع متوقع يصل إلى 45 في المئة في عام 2020 بالمقارنة مع 2019، لتصل إلى 17.8 مليار دولار أميركي (الإسكوا، 2020ب) مع تقديرات متحفظة تتراوح بين 14 في المئة في الكويت و45 في المئة في العراق (شيمينغي وبن جليلي، 2020). يتعزّز هذا الأثر بسبب الحجم المهم للسياحة في عدد من الاقتصادات العربية، بما أن السياحة تُشكل نحو 4.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الجماعي في المنطقة العربية وتقدم أكثر من 4.5 مليون فرصة عمل (غنيم، 2020). أعراض التباطؤ الاقتصادي هذه في البلدان العربية، مقترنة بانهيار أسعار النفط، وبالتالي التحويلات (والتي من المتوقع أن تتراجع بنسبة 19.3 في المئة في 2020 بالمقارنة مع 2019، بحسب توقعات البنك الدولي للمنطقة العربية (البنك الدولي، 2020ب))، تُشكِّل انخفاضاً هائلاً في الإيرادات الحكومية في البلدان العربية، سواء بشكلٍ مباشر بالنظر إلى عدم قدرة الحكومات على تحصيل الضرائب، أو بشكلٍ غير مباشر بسبب تبعات هذا التباطؤ التي قد تستمر لسنوات.

 

أما القناة الثانية فهي متصلة بالارتفاع النسبي في الإنفاق الحكومي في إطار "برامج التحفيز" والتدابير التي اعتمدتها الحكومات العربية لاحتواء التبعات السلبية للجائحة. وقد اختلف مقدار الموارد المالية التي خصصتها هذه الحكومات بشكل كبير وتأثّرت بالوضع الاقتصادي والقدرات المالية لكل بلد. وتراوحت التدخلات التي اعتمدتها الحكومات العربية حتى الآن بين توفير المساعدة المالية إلى المؤسسات الاقتصادية، وضمان دفع أصحاب العمل لرواتب العمال الوافدين وأجورهم، وتوجيه المساعدة المالية وقسائم المعونة الغذائية إلى الأسر المعيشية الفقيرة. وبالإضافة إلى ذلك، عمدت بعض الحكومات إلى تخفيف الضرائب أو إلغائها على بعض الأنشطة الاقتصادية أو لبعض فئات الدخل لفترات زمنية محددة، بالإضافة إلى تدابير مالية أخرى اتخذتها البنوك المركزية (صندوق النقد الدولي، 2020). وتشكّل قيمة التدابير المالية التي اعتمدتها وزارات المالية في البلدان العربية 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الجماعي العربي تقريباً، ووصلت إلى 3.8 في المئة في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية (صندوق النقد الدولي، 2020).

 

وكانت محصّلة أول قناتين "ضغطاً مالياً" مع تراجع كبير في العائدات وارتفاع حاد في الإنفاق الجاري والقصير الأمد. وبالتالي، ارتفع العجز في الميزانية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وتتراوح التوقعات بهذا الشأن من 2 نقطة مئوية في مصر إلى حوالي 7 نقاط مئوية بالنسبة لدول مجلس التعاون و11 نقطة مئوية في الجزائر. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تعاني البلدان التي كانت تتمتع بفائض في الميزانية مثل الكويت وليبيا، من عجز في ميزانيتها (صندوق النقد الدولي، 2020)، ويعزى ذلك بالنسبة إلى ليبيا إلى النزاع العنيف الدائر هناك.

 

وتعتبر هذه التقديرات متحفظة للغاية ومن المتوقع أن تتم مراجعتها صعوداً. وبالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد في أنحاء العالم (الأمم المتحدة، 2020)، وفي البلدان العربية تحديداً إثر تفشي فيروس كورونا المستجد والانخفاض الحاد في أسعار النفط والنزاع المستمر في بعض هذه البلدان. وبالتالي من المتوقع جداً ألا تتمكن البلدان العربية من إيجاد سبل أخرى لتمويل ميزانياتها، وتحديداً مع تدهور الوضع بالنسبة لأسعار النفط، والسياحة والأنشطة الاقتصادية الكبرى العربية الأخرى مثل النقل والخدمات اللوجستية.

 

وقد كشف تفشي فيروس كورونا المستجد أيضاً ضعف قدرة العديد من البلدان العربية على احتواء الجائحات الصحية، أسوة بالكثير من البلدان الأخرى في العالم. في الواقع، يبيّن تصنيف عدة بلدان عربية في "مؤشر الأمن الصحي العالمي" أرقاماً متواضعة حيث حلّت بعض البلدان العربية ضمن الأسوأ في العالم، وتحديداً سوريا واليمن والسودان وجيبوتي وموريتانيا. ونتيجة لذلك، من المتوقّع أن تُخصّص الحكومات العربية موارد مالية إضافية لتحسين أنظمتها الصحية على الأمدين المتوسط والطويل، سواء عبر تعزيز بنيتها التحتية الصحية، التعامل مع جائحات مماثلة أو تحسين أنظمة التأمين الصحي. ومن المتوقع أن تكون خطط "الإنقاذ" في أعقاب أزمة كورونا التي من المتوقع تقديمها للسماح للاقتصادات العربية بأن تتكيّف مع الوضع، مهمة. كما من المرجح أن يتسبب عدم الاستقرار السياسي والنزاعات العنيفة في عدة بلدان عربية بتضييق المجال المتاح للسياسات المالية للحكومات العربية بشكل أكبر.

 

وباختصار، فإن المشهد المالي يبعث على القلق. عدم اليقين المتصل بموعد انتهاء أزمة فيروس كورونا سيُفاقم الوضع على الأرجح. كما أن البلدان العربية ستجد صعوبة أكبر في احتواء الأثر السلبي للأزمة على مواطنيها بسبب قدرتها المالية المحدودة على التحمل. ومن المرجح أن تتواصل هشاشة الوضع المالي للحكومات العربية ما سيؤثر سلباً على توازن الاقتصاد الكلي.

 

 

المراجع:

[1] الإسكوا (2020أ)، "الاستجابة الإقليمية العاجلة للتخفيف من تداعيات وباء كورونا العالمي"، متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://www.unescwa.org/oes-speeches/regional-emergency-response-mitigate-impact-covid-19
[2] الإسكوا (2020ب)، "آثار جائحة كوفيد-19 على الاقتصادات العربية – التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر"، E/ESCWA/2020/Policy Brief 6، متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://www.unescwa.org/sites/www.unescwa.org/files/20-00152-ar_impact-covid-19-trade-investment.pdf
[3] غنيم، أحمد فاروق (2020)، "التوقّعات بشأن أثر فيروس كورونا المستجد على التجارة في البلدان العربية"، البوابة العربية للتنمية، متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://www.arabdevelopmentportal.com/ar/blog/exploring-potential-impact-covid-19-trade-arab-region
[4] صندوق النقد الدولي (2020)، "آفاق الاقتصاد العالمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان"، متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://www.imf.org/ar/Publications/REO/MECA/Issues/2020/04/15/regional-economic-outlook-middle-east-central-asia-report
[5] جون هوبكينز، كلية بلومبرغ للصحة العامة بالتعاون مع وحدة المعلومات الاقتصادية (2019)، "مؤشر الأمن الصحي العالمي"، متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://www.ghsindex.org/wp-content/uploads/2020/04/2019-Global-Health-Security-Index.pdf
[6] الأمم المتحدة (2020)، "الديون و"كوفيد-19": استجابة عالمية للتضامن" (باللغة الإنغليزية)، متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://www.un.org/sites/un2.un.org/files/un_policy_brief_on_debt_relief_and_covid_april_2020.pdf
[7] البنك الدولي (2020أ)، "كيف يمكن للشفافية أن تساعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، التقرير الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مجموعة البنك الدولي، متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://www.albankaldawli.org/ar/region/mena/publication/mena-economic-update-april-2020-how-transparency-can-help-the-middle-east-and-north-africa
[8] البنك الدولي (2020 ب)، "البنك الدولي يتوقع أكبر تراجع في التحويلات في التاريخ الحديث"، بيان صحفي متاح على الرابط الإلكتروني التالي: https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2020/04/22/world-bank-predicts-sharpest-decline-of-remittances-in-recent-history

 

 

أحمد غنيم أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة. وهو باحث في منتدى البحوث الاقتصادية للدول العربية (ERF) في مصر، وفي مركز البحث الاقتصادي والاجتماعي (CASE) في بولندا.

 

إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

الأكثر قراءة