خلق الوظائف وجودة العمل في العالم العربي

زافيريس تزاناتوس, 17 فبراير/شباط 2015

شهدت دول عربية عديدة بين ثمانينيات وأوائل-إلى-منتصف تسعينيات القرن الماضي، نموًا اقتصاديًا بطيئًا وبطالة متزايدة حتى أنها شهدت تراجعًا في معدل الدخل الفردي نتيجة لإدارة سيئة على مستوى الاقتصاد الكلّي، ونقص في القدرة التنافسية وتدني أسعار النفط العالمية. وأُجرت هذه الدول إصلاحات لمعالجة الاختلالات المالية والبنيوية (ومن ضمنها ارتفاع العجز والدين ومعدلات التضخم) معترفةً في الوقت نفسه بأن القطاع العام غير قادر على الاستمرار في لعب دور رب العمل الأول والأخير. والمحصّلة، التي وصفها البعض بأنها "نهضة عربية"، أدّت إلى تسارع في عجلة النمو الاقتصادي وتضمّنت استجابةً قوية على صعيد التوظيف.

 

والأمر اللافت في انخفاض البطالة هو تزامنه مع التضخم السكاني بسبب معدلات الخصوبة المرتفعة في الماضي، وتزايد نسبة مشاركة اليد العاملة الأنثوية، فضلاً عن تباطؤ إن لم يكن ركوداً في التوظيف في القطاع العام. ما فشلت المنطقة العربية في تحقيقه هو خلق وظائف تتميز بالجودة. وبعد الأزمة المالية، أدت الثورة التي اندلعت في تونس في كانون الأول/ديسمبر 2010 إلى طرح هذه المسألة التي تتضمن عدم المساواة وانعدام الأمن والافتقار إلى الحوار الاجتماعي.

 

جودة الوظائف/فرص العمل في العالم العربي

 

ويظهر الفصل بين جودة العمل وخلق وظائف جليًا في المنطقة العربية. ووفقًا لمنظمة العمل الدولية، تجمع "الوظائف اللائقة" ما يلي: خلق وظائف، حماية اجتماعية مناسبة، معايير وحقوق دنيا في العمل، وتشجيع الحوار الاجتماعي. ومنذ تسعينيات القرن الماضي وعلى الرغم من زيادة الوظائف في المنطقة، إلا أن فرص العمل المستحدثة بغالبيتها كانت في قطاعات تميل إلى أن تكون لديها أسابيع عمل قصيرة أومؤقتة، وأجرًا منخفضًا بالساعة ولا تستفيد من التأمين الاجتماعي.

 

وتقليديًا كانت جودة الوظائف مضمونة في القطاع العام الأوسع. وبحلول تسعينيات القرن الماضي، كان حصة القطاع العام من إجمالي التوظيف، الأعلى بين الدول النامية. وبالتالي، أصبح من غير الممكن تحقيق توظيف متزايد وتقديم أجور و/أو منافع كريمة نسبيًا. وعلى الرغم من النقص الواضح في المعلومات عن الأجور في العالم العربي، إلّا أن المعلومات حول حصة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي تشير إلى تراجعها بشكل كبير مع مرور الزمن، لا سيّما في شمال أفريقيا حيث سُجّلت معظم مكاسب التوظيف. والاختبار الحاسم هو استهلاك الأسر المعيشية، حيث تراجعت الحصة في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 9 نقاط مئوية خلال العقدين المنصرمين وهو ما يمثّل انخفاضًا نسبيًا يصل إلى نحو 15 في المئة. وتشير هذه العوامل إلى تحويل جزء صغير فقط من الزيادة الكبيرة في الناتج المحلي الإجمالي بين 1990 و2010 إلى العمال، ومن خلال مدخول عملهم إلى الأسر المعيشية.

 

أجندة غير مكتملة

 

يجب أن يقوم صانعو القرارت بدراسة جودة الوظائف الجديدة. وبالإضافة إلى تحسين جودة استطلاعات القوى العاملة، عليهم الاهتمام بجمع المعلومات حول ظروف العمل والبرامج الاجتماعية وبالطبع البيانات الجيدة حول المداخيل.

 

كما أن تحسين جودة العمل يتضمّن المكافحة من أجل الوصول إلى وظائف ذات قيمة إضافية مرتفعة ومكاسب على صعيد الإنتاجية من خلال تقوية القدرة التنافسية المحلية. ومن شأن هذا الأمر أن يسمح بدفع أجور أعلى. كما أنه قد يكافئ  التعليم الأفضل ويحفّزه، لا سيّما وأن ارتفاع مستوى التعليم في المنطقة يجب أن يُقابل بزيادة ملائمة في الطلب على موظفّين متعلمين.

 

إنَّ المنطقة العربية غير قادرة على تحمّل العودة إلى التدهور الاقتصادي ولا حتى الركود الذي عرفته في الماضي. وكانت توقعات المواطنين حول مستقبلهم قد تدهورت بعد دخول الألفية الثانية على الرغم من النمو الاقتصادي السريع الجاري. هذه التوقعات قد تكون أقل الآن لا سيما في الدول التي تكافح للتوصّل إلى خطط جديدة للحوكمة في خضّم الغموض السياسي، إن لم يكن نزاعًا محضًا.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


زافيريس تزاناتوس مستشار دولي للاستراتيجية والسياسة مقيم في لبنان. كان سابقًا رئيس وأستاذ قسم الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت. مستشار سابق لمنظمة العمل الدولية، وقد شغل منصب مستشار للمدير الإداري للبنك الدولي، حيث كان أيضًا مدير الحماية الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك مدير البرنامج العالمي لعمالة الأطفال الذي كان المبادر لإنشائه. تشمل مؤلفاته 14 كتابًا ودراسة، وأكثر من 200 تقارير وأوراق بحث في مجالات اقتصاديات العمل، التعليم، الجندر، وعمالة الأطفال، وبشكل أوسع، السياسات الاجتماعية واستراتيجية التنمية. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

زافيريس تزاناتوس زافيريس تزاناتوس

الأكثر قراءة