عوائق البنى التحتية المالية إلى استثمار الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في العالم العربي

وفيق جريس, 17 فبراير/شباط 2015

البنى التحتية المالية – من قواعد ومعايير، ومؤسسات، ومعلومات، وتكنولوجيات، وأنظمة تسمح للوكلاء الاقتصاديين (أي الشركات والأسر) أن يجروا معاملاتهم المالية – هي أساس النظام المالي للبلد (بوسون، ماهاجان، وزهير 2003). وتساهم البنى التحتية المالية المتطوّرة بتقليص كلفة الوساطة المالية لأنّها تحدّ من الشكوك القانونية وتباين المعلومات بين المقترضين والمقرضين، وبالتالي تسمح للمقرضين أن يزيدوا القرض ويوسّعوا نطاق الخدمات المالية. وبحسب مؤشر البنك الدولي للبنى التحتية المالية، تتمتّع جنوب الصحراء الافريقية فقط بمؤشّر منخفض أكثر من العالم العربي (البنك الدولي 2009).

 

وتؤثّر البنى التحتية المالية بشكل خاص على تنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، الّتي تشكّل أولوية للعديد من البلدان العربية. وتبلغ نسبة إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم 8 في المئة فقط من مجموع قروض البنوك في المنطقة، 2 في المئة منها في بلدان مجلس التعاون الخليجي، و13 في المئة في البلدان غير المنتمية إلى مجلس التعاون الخليجي (روكا وآخرون 2010). أمّا تحديَّي البنى التحتية الرئيسيين اللّذان يعيقان استثمار الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم هما ضعف بنية المعلومات الإئتمانية وغياب الهيكليات القانونية الفعّالة.

 

وعلى الرغم من التقدّم المحرز مؤخّرًا الّذي ساهم بتحسين نوعية المعلومات الإئتمانية من خلال إنشاء مكاتب إئتمانية خاصّة (البحرين، مصر، المغرب، السعودية، الإمارات) ورفع مستوى بعض السجلات الإئتمانية العامة (لبنان، تونس، الإمارات)، لاتزال أنظمة التقارير الإئتمانية غير كافية. فالتحدّي الأساسي هو غياب التغطية. في الواقع، حوالى 60 في المئة من البلدان العربية تعتمد بالكامل على السجلات الإئتمانية العامة، الّتي تملك نصف تغطية السجلات الخاصة. وبالإضافة إلى التغطية القليلة، تفتقر السجلات العامة إلى التكامل مع المؤسسات المالية غير المنظّمة مثل سجلّات المؤسسات المالية الجزئية (روكا، وأرفاي، وفارازي 2011).

 

بالإضافة إلى ذلك، تعتمد أقلّ من 30 في المئة من البنوك على طرق قياس الجدارة الائتمانية للقرارت الآلية. وفي العديد من البلدان، أصبح تقييم المخاطر الإئتمانية مركزيًّا ويعتمد بشكل كبير على الضمانات المادّية (روكا، وأرفاي، وفارازي 2011). وقد أعاق الإطار التنظيمي الضعيف والقلق حيال سرية البيانات مشاركة المعلومات الإئتمانية، كما أنّه لا يعزّز ثقة المقرض والمستهلك. وقد سنّت بعض البلدان مثل الأردن، والسعودية، والإمارات قوانين المكتب الإئتماني الخاص حسب الطلب. أمّا مصر والمغرب، فاختارا التنظيم من خلال بنوكهما المركزية، في حين تعتمد البحرين على قواعد السلوك (ماديدّو 2010).

 

وبيقى غياب نظام قانوني فعّال للمعاملات المضمونة نقطة الضعف الأولى في البنى التحتية في المنطقة. لا يملك أيّ بلد عربي قانونًا حديثَا حول المعاملات المضونة. بالإضافة إلى ذلك، تبقى الممتلكات غير المنقولة، باستثناء السيارات، المصدر الرئيسي للضمانات إذ إنَّ الأصول المنقولة لا تعتبر قانونية. كما أنّ تسجيل الضمانات هو غير فعّال وضعيف. وباستثناء البحرين وقطر، لا تعرف المنطقة أيّ إجراءات لإنفاذ الضمانات خارج المحاكم. وبالإضافة إلى ذلك، يختلف إنفاذ المحكمة من بلدٍ إلى آخر، فهو يستغرق وقتًا طويلًا، ومكلف، ولا يمكن التنبؤ به في الأردن، ولبنان، والمغرب، وعمان، وهو سريع وفعّال في تونس. كما أنَّ إجراءات بيع الضمانات غير الفعّالة والطويلة زادت صعوبة التخلّص من الأصول المضمونة (دي لا كامبا 2011).

 

وأخيرًا، تبقى أنظمة الإفلاس غير متطوّرة في المنطقة. ويعتبر المَدينون كمرتكبي خطئٍ بدل من اعتبارهم وكلاء إقتصاديين يمرّون بمحنة مالية. وتستخدمهم عادة البلدان الّتي تملك أنظمة إفلاس كأدوات لتحصيل أموال الدائنين ولإغلاق الشركات. ووفقًا للمعايير الدولية، لا تتمتّع أي دولة عربية بآلية سيولة فعّالة، بل تستغرق عملية التسييل وقتًا طويلًا وتترافق مع إجراءات بطيئة لبيع الأصول. ويعود ذلك إلى غياب نظام قانوني فعّال، وإطار عمل مؤسساتي متطوّر، وقدرة تقنية فعّالة. وغالبًا ما تكون حقوق الدائنين غير محمية في ظل إجراءات الإفلاس في المنطقة، مع وضع بعض البلدان مثل مصر، والأردن، والكويت، والمغرب، وقطر استثناءات السياسة العامة مثل تكاليف المحاكم والضرائب على رأس سلّم أولوياتها (أوتامشانداني 2011).

 

وفي ظلّ جهود الحكومات العربية لتعزيز تنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والسماح لها أن تحصل على تمويل خارجي، على هذه الحكومات أن تركّز على توفّر التقارير الإئتمانية والحصول عليها، وعلى الطبيعة التمكينية للنظام القانوني، وفعالية آليات حلّ النزاعات.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


وفيق جريس مستشار دولي متخصص في التمويل الإسلامي، التنظيم المالي، تمويل الاستثمار، إدارة الأسهم الخاصة، وحوكمة الشركات مع خبرة عالية في الشركات الصغيرة والمتوسطة وتمويل النمو الأخضر. كان أحد مؤسسّي ورئيس مجلس إدارة Viveris المشرق، وهي شركة خدمات للاستشارات المالية ومقرها القاهرة، متخصصة في استثمارات الأسهم الخاصة في الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومرخصة من قبل الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر. قضى 28 عامًا في مجال التمويل الدولي لا سيّما مع البنك الدولي في واشنطن العاصمة، حيث شغل العديد من المناصب العليا في كل من العمليات وعلى مستوى الشركات. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

وفيق جريس وفيق جريس

الأكثر قراءة