مصر ومنطقة التجارة الحرة القارية الافريقية الناشئة

أحمد غنيم , 18 مايو/أيار 2018

في 21 آذار/مارس، وقّع أعضاء في 44 من أصل 55 دولة أفريقية على اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية الناشئة (CFTA)، في إشارة إلى ولادة أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم. الاتفاقية لا تزال في مهدها، حيث لا يزال عدد صكوكها القانونية (البروتوكولات والملاحق، إلخ) قيد التفاوض، ناهيك عن حاجتها للحصول على موافقة 22 دولة على الأقل. ومع ذلك، هل تفيد هذه الاتفاقية مصر؟ وعلى أيّ من الجبهات؟

 

عند الإجابة على مثل هذا السؤال، يجب أخذ عدد من النواحي بعين الاعتبار. كما يكون من الضروري تحديد أنه إذا تم إجراء التقييم على أساس الأسسالاقتصادية  الاستاتيكية الصرف (مكاسب الرفاهية)، فمن المرجح أن تكون الفوائد ضئيلة على المدى القصير حيث ثمة مجموعة من العقبات التي لم تتم معالجتها بعد. وبالتالي، فإن تبنّي نظرة أشمل و أوسع يوضح أنه من خلال الانضمام إلى هذه الاتفاقية، فإن مصر سوف تكسب على الجبهة الجيوسياسية.

 

ويشير سجل إنجازات مشاركة مصر في اتفاقيات التجارة الحرة الإفريقية أن مصر - وعلى الرغم من المكاسب التجارية الضئيلة - قررت أن تكون جزءًا في أي اتفاق إقليمي، ربما لأسباب اقتصادية سياسية وجيوسياسية، بما في ذلك، بشكل أساسي، التعاون في القضايا المتعلقة بنهر النيل. ومصر هي عضو في السوق المشتركة لدول شرق إفريقيا والجنوب الإفريقي - الكوميسا (COMESA) منذ العام 1999 وذلك على الرغم من أن التجارة داخل أعضاء الكوميسا بلغت 1,6% فقط من إجمالي تجارتها ولم تتعدَّ الـ 4% بعد انضمام مصر إلى الكوميسا؛ حيث يعزى جزء كبير  من هذه الزيادة إلى انضمام ليبيا، التي كان تتمتّع بمقدار ضخم من التجارة مع مصر، إلى الكوميسا في عام 2005. ومصر هي من بين الدول التي افتتحت منطقة التجارة الحرة الثلاثية (الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي – SADC، والكوميسا وجماعة شرق أفريقيا - EAC) والتي تم بناء منطقة التجارة الحرة القارية عليها. ولا تزال التحديات المرتبطة بعضوية الاتفاق الثلاثي سارية على مصر في حالة منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية ، إنما مع بعض التنقيح. على سبيل المثال، كان ثمة مخاوف من قيام جنوب إفريقيا بالاحلال مكان مصر من أسواق محددة، مثال أعضاء الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي (SADC)[1]. لا يزال هذا الخوف حقيقيًا في حالة منطقة التجارة الحرة القاريةا لافريقية ، على الرغم من عدم انضمام جنوب إفريقيا إلى منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية حتى الآن؛ إنما ذلك سيحدث قريبًا كما لمحالرئيس رامافوزا.

 

في حالة منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية ، ثمة تحديات إضافية مرتبطة بوجود عددٍ من الاقتصادات الكبيرة القوية، ومنها كينيا ونيجيريا. وعلى الرغم من تراجع هذه الأخيرة، لا يزال من المتوقع انضمامها قريبًا. وإضافة إلى ذلك، فإن مشاركة دول شمال إفريقيا (مثال المغرب وتونس)، إلى جانب ليبيا، من شأنه أن يضيف بعدًا أكثر تعقيدًا للوضع الجغرافي السياسي. فمشاركة المغرب وتونس قد تنطوي على فوائد محتملة ولكنها تشكل تحديات في المستقبل القريب. أما الفوائد المُحتملة، فقد تنشأ من توسيع مبادرات الاتحاد الأوروبي مع دول البحر الأبيض المتوسط من خلال اتفاقية أغادير وسياسة الجوار  لتعزيز  فكرة جيران الجيران، والتي تم طرحها مؤخرًا لربط الاتحاد الأوروبي بدول جنوب المتوسط (مثال مصر والمغرب وتونس) مع بلدان أفريقيا جنوبي الصحراء. ويمكن استكشاف الآليات كتراكم لقواعد المنشأ وكذلك سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية حيث تكون الإمكانيات كبيرة وخاصة في المنتجات الزراعية الصناعية.

 

ومع ذلك، فإن التحديات التقليدية المتمثلة في التنافس على الأسواق نفسها – نظرًا لأن هيكل الصادرات في مصر والمغرب وتونس شديد التشابه - قد ينطوي على مخاطر محتملة؛ لا سيما بالنظر إلى النجاح المتواضع لهذه البلدان في تعميق الإدماج في أطر المبادرات الإقليمية القائمة، مثال اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى (PAFTA) واتفاقية أغادير. مع ذلك، يبقى هذا الخطر ضئيلًا في ما يتعلق بمصر بسبب التوجّه المرتفع لتجارة المغرب وتونس نحو الإتحاد الأوروبي الذي يحوز على حوالي 60-70% من إجمالي تجارتهما، وبسبب ضعف تعاونهما داخل أفريقيا. على الرغم من ذلك، فإن اهتمام المغرب وتونس ببلدان أفريقيا جنوبي الصحراء يرتفع بشكل سريع على جبهتي التجارة والاستثمار، مما قد يشكّل تحديًا لمصر في المستقبل القريب.

 

إضافةً إلى ذلك، فإن العدد الكبير للبلدان المشارِكة في مثل هذه الاتفاقية، والتي تتمتع  بهياكل  اقتصادية ومستويات معيشية وظروف اقتصادية وسياسية وجغرافية متنوعة، سيستتبع، على الأرجح، عقبات عند وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل. ويبقى التخوف من أن الاستثناءات ستصبح هي القاعدة، بوجود ظروف متنوعة بهذا الشكل، وفي حال  حدوث  ذلك، سيتمّ استباق منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية . بالتالي، يجب اعتماد نهج الحذر العملي في المفاوضات بغية تفادي أي انتكاسات لهذه المبادرة.

 

على جبهة أخرى، من الجدير بالذكر أنه من غير المتوقع أن تعزز السوق الإفريقية الخام الواسعة الصادرات المصرية بالوتيرة المتصورة. وتظهر حقيقة السوق المشتركة لدول شرق إفريقيا والجنوب الإفريقي أن السوق، على الرغم من كونها واسعة وكبيرة، تعاني عددًا كبيرًا من حالات فشل السوق المتصلة بالبنية التحتية الضعيفة ومرافق النقل المحدودة والبلدان غير الساحلية والأنظمة المصرفية المتواضعة وانتشار الحواجز غير الجمركية، ممّا يجعل السوق الجغرافية الواسعة بمستوى السوق الاقتصادية الفاعلة المتواضعة عندما يؤخَذ بعين الاعتبار المستوى المعيشي المتواضع للكثير من البلدان الإفريقية. وقد شكّل الحماس للاتفاق الثلاثي والخطوات الجادة التي اتخذتها مصر، كما وبلدان أخرى، للمفاوضة على طرائقه علامةً جيدة، إنّما يجب إعادة النظر في إجهاضه قبل ولادته في سبيل منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية .

 

كما تجدر الإشارة إلى أن منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية  أو أي اتفاقية تكامل  إقليمي أخرى لن تضيف الكثير على الأرجح، في حال لم تتمّ المعالجة الملائمة والفاعلة لحالات فشل السوق. وتتضمّن منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية العديد من الطرق  الرامية إلى التغلّب على حالات فشل السوق، بما فيها آلية لحل النزاعات وبروتوكولات مختلفة حول مسائل عديدة مثال قواعد المنشأ والاستثمار، إلخ. إلا أنه من المبكر جدًا الحكم على ما إذا كانت هذه الآليات ستصبح صالحة للتشغيل، نظرًا إلى أن تفاصيلها ليست واضحة بعد وطرق  المفاوضات ليست محددة؛ مع ذلك، يرى بعض الخبراء أن هذه الأخيرة ستتبع نهج تعهّد فريد. ومع ذلك، وفي هذه المرحلة، سيكون من الإنصاف القول بأنها لن تكون مهمة سهلة.

 

ختامًا، يرسل انتساب مصر إلى منطقة التجارة الحرة القارية رسالةً واضحة بأن مصر إنما تقع في قلب أفريقيا. إلا أن استتباع المنافع الاقتصادية لا يزال معلّقًا على وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية وطرائقها التشغيلية، إضافةً إلى معالجة بعض حالات فشل السوق.

 


 

[1] أنغولا وبوتسوانا وجمهورية الكونغو الديمقراطية  وليسوتو ومدغشقر وملاوي وموريشيوس وموزمبيق وناميبيا وسيشيل وسوازيلاند وجمهورية تنزانيا المتحدة وزامبيا وزمبابوي.

 


أحمد غنيم أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة. وهو باحث في منتدى البحوث الاقتصادية للدول العربية (ERF) في مصر، وفي مركز البحث الاقتصادي والاجتماعي (CASE) في بولندا.

 


إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

أحمد غنيم أحمد غنيم

الأكثر قراءة