الأمل الذي نتمسّك به: هل يُغيّر كوفيد-19 سلوك المستثمرين؟

دينا ح. شريف وعادل بحصلي, 11 مايو/أيار 2020

لو حصلنا على دولار واحد في كل مرّة قرأنا مقالةً أو حضرنا "ويبينار" حول فيروس كورونا وكيف سيغيّر النظام العالمي، فسنتمكّن على الأرجح من التقاعد بحلول نهاية هذه الجائحة وهذا الانهيار الاقتصادي السريع. باعتبارنا شخصين يعملان في مجال ريادة الأعمال والابتكار منذ أكثر من عقد من الزمن ونطالب باستمرار باستثمارات تتمحور بشكل أكبر حول الأثر، فإن الأمل الأكبر الذي نتمسك به هو أن تُجبِر الجائحة المستثمرين على الرجوع خطوة إلى الوراء، والتوقف مؤقتاُ، والتفكير ليدركوا أنّ عليهم هم أيضاً أن يتغيّروا.

 

وفي مسعى إلى ترجمة هذا الأمل إلى واقع، جمع "مركز "ليغاتوم" لريادة الأعمال والتنمية التابع لـ" معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" مجموعة من أصحاب رؤوس الأعمال الاستثمارية ومستثمرين في الشركات الناشئة من أنحاء العالم لمناقشة ماضي الاستثمار العالمي وحاضره ومستقبله مع تركيز على الدور الذي يمكن، وينبغي، أن يضطلع به مجتمع المستثمرين في تحديد مستقبل العالم.

 

وبالعودة بضعة أشهر إلى الوراء فقط، يبدو أن السؤال كان بالنسبة إلى هؤلاء يتمحور حول أي من قطاعات الأعمال سيكون له العائد المالي الأعلى. وبحسب ديفيد روز، المؤسّس والرئيس التنفيذي لـ "غاست" ومؤسِّس "نيويورك أنجلز": "اتسّمت العقود الأخيرة بالطموح في سوق مزدهر. خاطر الناس بأمور كانت فرص نجاحها ضعيفة كما كانت تقييمات الشركات الناشئة هنا في الولايات المتحدة مرتفعة للغاية، من دون تغييرات أساسية في سبل الخروج". وقد بدا أن بعض رواد الأعمال كانوا يعتقدون أنه كلما ازدادت الأموال التي يمكنك جمعها، وكلما صرفتها بشكل أسرع، سيكون بإمكانك أن تنمو وتطورّ أكثر. بطريقة ما، بدا أن العديد من المستثمرين لم يكن لديهم مشكلة في ذلك.

 

كما شهدنا في العقد الأخير، موجة متصاعدة من "الاستثمارات المؤثِّرة" إذ تم الضغط على المستثمرين لكي يفكّروا إلى ما هو أبعد من العائدات المالية. وعلى الرغم من النجاح الذي حقّقته العديد من صناديق الاستثمارات المؤثّرة في أنحاء العالم، فإن هذه الموجة لا تزال في بداياتها إذ ما زال العديد من هذه الصناديق يعمل على إقناع الشركاء المحدودين [الصامتين الذين لا يلعبون دوراً فعالاً في إدارة الشركات] بأن عائداتها مربحة. لكن صعود الاستثمار المؤثّر لم يكن قد تحوّل إلى حركة حقيقية حين تفشّت جائحة كورونا.

 

لننتقل إلى وضعنا اليوم في ظل أزمة كورونا، فقد دخلت العديد الشركات الناشئة في مرحلة الاحتضار المُبكر نتيجة لنضوب السيولة، ونماذج الأعمال الضعيفة وفرق العمل المبالِغة في تقدير أهميتها. يبحث رواد الأعمال الآن عن مستثمرين يكونون منقذين لهم عبر تزويدهم بمزيد من السيولة، ويُمضي المستثمرون ليالٍ لا يعرفون فيها طعم النوم وهم يفكّرون بما الذي سينجو في حافظة استثماراتهم وما الذي يستحق فعلياً أن ينقذوه. وبحسب هيزر هنيون، الشريكة العامة المؤسِّسة لشركة "مايندشفت كابيتال": "نريد أن نتأكد من بقاء الشركات التي استثمرنا فيها". بدوره، يقول فادي غندور، العضو المنتدب لشركة "ومضة كابيتال": "المستثمرون سيمنحون الأولوية للشركات التي لديها نماذج أعمال جدية وقوية، حتى لو كانت تعاني من مشاكل في التدفقات المالية على الأمد القصير. نماذج الأعمال غير المستدامة لن تصمد. كما لن ينجو "ملتهمو السيولة". لم يعد ينفع السعي إلى تحقيق النمو بأي ثمن. والسبيل الوحيد للاستمرار هو أن يكون النمو معقولاً وأن يكون هناك مساراً واضحاً لتحقيق الربحية...".

 

غادرنا المحادثة الأولى مع المستثمرين وفي أنفسنا بعض التفاؤل لأن المستثمرين خصصوا الوقت اللازم لطرح الأسئلة الصائبة. لعلّ فادي غندور كان أفضل من عبّر عن ذلك حين قال: "لقد تغيّر العالم فعلياً وعلينا مراجعة كيف نستثمر، وما الذي نستثمر فيه، وما الأثر الذي نخلقه حين نستثمر".  لقد خصّص المستثمرون، أقلّه أولئك الذين تحدّثنا إليهم، بعض الوقت للتفكير فيما إذا كانوا قد استثمروا، أو لم يستثمروا، في مجال الأعمال الملائم.

 

وإذ نتطلع إلى المستقبل، نُدرِك أن ممارسة الأعمال كما اعتدنا أن نفعل لم تعد خياراً متاحاً. الشهران المنصرمان لم يكشفا لنا وحسب مدى عدم جهوزية أنظمة الرعاية الصحية الوطنية في بلادنا، وإنما كشفا لنا الفجوات القائمة في جميع الأنظمة. ومع تحوّل اقتصادنا إلى العالم الافتراضي، تشهد القطاعات تحولّات متسارعة، وبدأت تبرز قطاعات جديدة. هذا وقد بدأ المستثمرون بالفعل يفكّرون في هذه القطاعات النامية مثل التكنولوجيا المالية، وتكنولوجيا التعليم، والتجارة الإلكترونية، والخدمات اللوجستية، ومنصات التطبيب عن بعد والعمل عن بعد. اللائحة تطول. وبما أن وتيرة الاستثمارات خفّت لاستيعاب الواقع الجديد، إلا أنّها لم تتوقّف ولا نزال نشهد إبرام صفقات استثمارية في عدد من الأسواق الناشئة، لا سيما بالنسبة إلى الحلول المتعلقة بالجائحة.

 

هذا ينقلنا ربما إلى نقطتنا الأخيرة. فنحن نعيش لحظات تاريخية، وما من عودة إلى الوراء. لذا فإن الحاجة إلى الابتكار لتحويل الأنظمة الحالية المنهارة بوضوح، لن تكون أكبر مما هي عليه الآن. وبالتالي فإن الحاجة إلى رؤوس الأموال المُخاطِرة كبيرة. وتماماً كما نطلب من صنّاع السياسات والشركات الكبيرة ورواد الأعمال أن يتحسّنوا ويقدموا أداء أفضل بحيث لا نجد أنفسنا مرة أخرى في أزمة مماثلة لتلك التي نعيشها الآن، نطلب من المستثمرين كذلك أن يحذوا حذو هؤلاء. صحيح أن رأس المال مهم، وإنما سبل استخدام رأس المال مهمة هي الأخرى.

 

للمستثمرين دور يضطلعون به تحديد معالم مستقبل جميع الأنظمة والقطاعات التي تمسّ بحياتنا، ونريد منهم أن يأخذوا هذا الدور على محمل الجدّية. لا تحصروا تفكيركم في الاستثمار في مؤسَّسة بعينها تُدرّ لكم عائدات كبيرة. بل فكّروا في الاستثمار في عدد من المؤسسات التي من شأنها أن تؤسس قطاعاً بطريقة تكون شاملة ومستدامة وقادرة على الصمود. وكذلك اطرحوا أسئلة أفضل. وأسئلة إضافية. احرصوا على أن تكون محادثاتكم أفضل، ليس فقط مع رواد الأعمال الذين تختارون الاستثمار فيهم، وإنما أيضا مع زملائكم المستثمرين والجهات الأخرى الفاعلة في المنظومة بشكل عام. لقد أجبرنا فيروس كورونا جميعاً على التوقف موقّتا. استخدموا هذا التوقّف المؤقت للتغيير من أجل الأفضل وليبدأ هذا التغيير الآن.

 


 

نشر هذا المقال للمرة الأولى في مركز "ليغاتوم" التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. أعيد نشره من قبل بوابة التنمية العربية  بعد الحصول على إذن من المركز. إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية.

 

https://legatum.mit.edu/resources/will-covid-19-change-investor-behavior-we-sure-hope-so/?fbclid=IwAR2ncWNf7DnO5e2ytCPKbm6WQCwG9TrPiLG23jJmg2nbblrOzg1zEqeXecA

دينا ح. شريف وعادل بحصلي دينا ح. شريف وعادل بحصلي

الأكثر قراءة