هذه المدونة هي من ضمن سلسلة من المدونات التي تعدها البوابة العربية للتنمية مع المكاتب الإحصائية الوطنية بهدف عرض آخر الإصلاحات والخطط التي تنفذها المراكز الإحصائية في البلدان العربية.
يشكل قطاع البيئة أهمية خاصة في المنطقة العربية، وذلك بسبب التحديات البيئية الملحة التي تواجهها المنطقة. إذ تعاني المنطقة العربية من خطر التصحر، وقلة المياه، وتدهور الأراضي، وانخفاض كفاءة استخدام الموارد الطبيعية.
يتراوح معدل الهطول المطري السنوي من مستويات متدنية كما في البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة، حيث لم يتعدّ معدل الهطول المطري 100 مليون متر مكعب في عام 2017، إلى درجةٍ أقل حدةً كما في السودان والجزائر، حيث تجاوز معدل الهطول المطري 200 مليون متر مكعب.[1] كذلك، يفرض النمو السكاني السريع ومعدلات التحضر المرتفعة والتي بلغت 58.8 بالمئة من مجموع السكان، ضغطًا متزايدًا على الموارد الطبيعية المتاحة وعلى استدامة ونوعية البيئة في المدن العربية.[2]
كما تواجه المنطقة تحديات مرتبطة بقطاع الإحصاءات البيئية متمثلة بغياب الإطار الرسمي المنظم لعملية الإنتاج والتجميع، بالإضافة إلى محدودية التعاون وتبادل الخبرات بين المؤسسات الحكومية ذات الصلة، كما ترتبط بقلة الموارد المالية التي تخصص لتنمية هذا القطاع، بالإضافة إلى النقص في الكادر التقني، حيث تعد الوحدة المتخصصة في إنتاج وتجميع إحصاءات البيئة في بعض البلدان العربية من أصغر الوحدات في المؤسسات الحكومية ومراكز الإحصاء.
من هنا، تولي جميع البلدان العربية حاليًا أهمية خاصة لهذا القطاع وخاصة مع تبني أجندة التنمية المستدامة لعام 2030. كما تعمل جميع البلدان على إنتاج ونشر المؤشرات البيئية التابعة لأهداف التنمية المستدامة.
في حديث حصري مع البوابة العربية للتنمية، تحدّث خالد الشطرات، الخبير البيئي في جهاز التخطيط والإحصاء القطري عن الجهود التي يبذلها الجهاز لتحسين إنتاج ونشر المؤشرات البيئية، خاصة وأن قضايا البيئة تنعكس ضمن أهداف رؤية قطر الوطنية 2030، ومع العلم أن تجربة الجهاز تعد ريادية من حيث توفيره 76 في المئة من إجمالي المؤشرات البيئية البالغة 88 مؤشر.
انعكست قضايا البيئة ضمن رؤية قطر الوطنية 2030 بدايةً من خلال إيلاء الرؤية للتنمية البيئية الأهمية والثقل المتوازن مع باقي ركائز الرؤية الأربعة. إذ تشكّل رؤية قطر منارة وخريطة طريق من حيث توجيهها لتطور البلاد الاقتصادي والاجتماعي والبشري والبيئي، وهي التي تعمل على تحقيق التوازن بين الإنجازات التي تحقق النمو الاقتصادي وبين موارد قطر البشرية والطبيعية والإنسانية من جهة، وبين الحاجات التنموية وبين حماية مواردها الطبيعية (الهواء، والماء، والأرض) من جهة أخرى.
من هذا المنطلق، فإن الرؤية الوطنية تمثل انعكاسًا لقضايا البيئة من خلال تركيزها على وضع إطار قانوني وبناء مؤسسات بيئية فاعلة لصون الإرث البيئي القطري. كذلك، تشدد رؤية قطر الوطنية 2030 على دعم الجهود الدولية للتخفيض من الآثار الضارة للتغير المناخي، وعلى تشجيع التعاون الإقليمي بين الدول المحيطة بالخليج العربي لتبني معايير وقائية تخفف من الآثار السلبية الناجمة عن النشاطات الاقتصادية فيها، ووضع خطة شاملة تعتمد سياسة واضحة للتوسع العمراني والتوزيع السكاني، وعلى أهمية توعية المواطنين الى دورهم في حماية الموروث البيئي.
إن التطلعات المتعلقة باقتصاد قطر ومجتمعها وشعبها وبيئتها، والتي تضمنتها رؤية قطر الوطنية 2030، تمت ترجمتها من خلال استراتيجية وطنية للتنمية في مختلف القطاعات، ومن ضمنها الاستراتيجية الوطنية للبيئة التي يتشارك في وضعها القطاعان الخاص والعام والمجتمع المدني ومواطنو قطر، وذلك عبر آلية تعاونية.
وقد جاءت عملية إدماج أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 في استراتيجية التنمية الوطنية في نفس الوقت الذي تمت فيه عملية تطوير الاستراتيجية الوطنية الثانية 2018- 2022. وبذلك أصبحت أجندة التنمية المستدامة 2030، جزءا لا يتجزأ من استراتيجية التنمية الوطنية الثانية، حيث تعمل الجهات المعنية في الوزارات والأجهزة الحكومية، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، والجهات البحثية والأكاديمية، على دعم تنفيذ استراتيجية التنمية الوطنية الثانية المتضمنة أهداف وغايات أجندة التنمية المستدامة 2030، ومن ضمنها المؤشرات البيئية، مستخدمة بذلك نفس أدوات الإبلاغ عن التقدم المحرز في استراتيجية التنمية الوطنية الثانية وتكنولوجيا الابتكار والبحث العلمي في عمليات التنفيذ والرصد والمتابعة من أجل الإبلاغ عن التقدم المحرز في مؤشرات أهداف التنمية المستدامة ومن ضمنها المؤشرات البيئية.
تتمثل أبرز التحديات في :
-تحدي انتشار المفهوم العام لبعض جوانب مؤشرات التنمية المستدامة وذلك لحداثته، وكذلك التعريف بهذه المؤشرات، وخصوصاً تلك التابعة للبيئة . إذ إن إحصاءات البيئة، بشكل عام، ما زالت من المواضيع المطروحة حديثاً، ويوجد صعوبة في توفيرها.
-نقص البيانات الاحصائية اللازمة لحساب مؤشرات التنمية المستدامة من الجهات المصدرية المنتجة للبيانات المطلوبة.
-غياب وأحياناً تطبيق جزئي للمنهجيات الاحصائية، وكذلك ضعف تطبيق الأدلة الاحصائية لدى الجهات المنتجة للبيانات المطلوبة،.
-ازدياد النمو السكاني والازدهار الاقتصادي والمشاريع الضخمة والعملاقة مما يشكل عبئا على توفير البيانات الإحصائية وتسلسلها بالشكل الذي يخدم توفير بيانات مؤشرات أهداف التنمية المستدامة.
-ازدياد العبء على العاملين في مؤشرات التنمية المستدامة، من ناحية قلة الكوادر المدربة واللازمة لتغطية المواضيع المتعددة لمؤشرات التنمية المستدامة، ومن ناحية الوقت اللازم للاجتماعات مع فرق العمل وتوضيح ماهية البيانات المطلوبة لحساب المؤشرات والمتابعات للبيانات المطلوبة.
-تواتر وكثرة الطلبات من الجهات الدولية المعنية بالإشراف على مؤشرات التنمية المستدامة، مما يعيق أحياناً العمل ويضغط على الجهات المصدرية المنتجة للبيانات المطلوبة.
-عدم وضوح المنهجيات وطرق الحساب لبعض مؤشرات التنمية المستدامة من المستويات الثانية والثالثة (Tier III, Tier II) .
-قلة التجارب الدولية بخصوص توفير مؤشرات التنمية المستدامة والتي يمكن اعتبارها كقصص نجاح.
استطاع جهاز التخطيط والإحصاء، ممثلاً بإدارة الإحصاءات وبالتعاون مع بعض وزارات وأجهزة الدولة المختلفة، من إنتاج المؤشرات الوطنية الخاصة بأهداف التنمية المستدامة وغاياتها (جميع مؤشرات التنمية المستدامة)، حيث يتوفر منها في الوقت الحاضر (186) مؤشرًا، أي حوالي (76.3%) من إجمالي المؤشرات البالغ عددها (244) مؤشراً، وبلغ عدد المؤشرات غير المتوفرة (37) مؤشراً، تمثل (15.1%)، يحتاج توفيرها إلى مسوح أو سجلات إدارية، بينما عدد المؤشرات الجاري توفيرها (11) مؤشراً، شكلت نسبة (4.5%). أما بالنسبة للمؤشرات التي لا تنطبق على دولة قطر، فبلغ عددها (7) مؤشرات، مثلت ما نسبته (%2.9) من إجمالي المؤشرات، في حين بلغ عدد المؤشرات الخاصة بحسابات المنظمات (3) مؤشرات، أي حوالي (%1.2).
أما فيما يخص عدد مؤشرات التنمية المستدامة التابعة لموضوع البيئة، والبالغ عددها حوالي (88) مؤشراً، فيتوفر منها في الوقت الحاضر (67) مؤشرًا، أي حوالي (76.1%) من إجمالي المؤشرات التابعة لموضوع البيئة، وبلغ عدد المؤشرات غير المتوفرة (15) مؤشراً، تمثل (17.0%)، يحتاج توفيرها إلى مسوح أو سجلات إدارية أو جهدًا إضافيا لحسابها. أما بالنسبة للمؤشرات التي لا تنطبق على دولة قطر، فبلغ عددها (6) مؤشرات مثلت ما نسبته (%6.8) من إجمالي المؤشرات التابعة لموضوع البيئة.
تم الاعتماد في توفير بيانات مؤشرات التنمية المستدامة ومؤشرات التنمية المستدامة التابعة لموضوع البيئة على مبدأ المصادر المختلطة (Mixed Approach)، والتي تمثلت بالسجلات الإدارية للجهات المصدرية للبيانات مثل الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة ومن مصادر بيانات التعداد العام، ومن مصادر بيانات مسوح متخصصة كمسح القوى العاملة، ومسح إنفاق ودخل الاسرة، ومسح البحث العلمي والتطوير، والمسح العنقودي متعدد المؤشرات، وغيرها.
-يتم مراجعة الخطط التنفيذية للجهات الوطنية، بما تحتويه من أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها ووضعتها الجهات المختلفة، والتأكد من تجانسها مع خطة الاستراتيجية الوطنية للتنمية (وكما تم ذكره سابقاً فأن الاستراتيجية الوطنية الثانية موجهة بأهداف التنمية المستدامة).
-تحديد الآليات المتّبعة لتحقيق استراتيجية التنمية الوطنية الثانية، بما تحتويه من أهداف التنمية المستدامة، من خلال التشاور مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني المختلفة.
-تحسين وتطوير العمل الإحصائي لينعكس تحسينه على جميع مجالات أهداف التنمية المستدامة.
-العمل بالتعاون مع الشركاء الوطنيين على تطوير السجلات والإحصائية والإدارية لديهم، بما يلبي الاحتياجات الإحصائية لحساب مؤشرات أهداف التنمية المستدامة.
-وضع برامج بناء القدرات الاحصائية في مجال التنمية المستدامة لتأهيل وتدريب الكوادر الوطنية.
-استخدام الابتكارات والتكنولوجيا اللازمة في مجال إنتاج البيانات الإحصائية لتساهم في حساب مؤشرات أهداف التنمية المستدامة.
-تشكيل فرق عمل ولجان وطنية لمؤشرات التنمية المستدامة تتابع التقدم المحرز في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.
-نشر تقرير إحصائي حول مؤشرات التنمية المستدامة، وهو تقرير ومرجع وطني لمتابعة تنفيذ اهداف التنمية المستدامة بحيث يقيس التقدم المحرز.
-تبنى التعداد العام للسكان والمساكن شعار تعداد ناجح لتنمية مستدامة وهو الذي يتضمن استخدام الربط الإلكتروني لقواعد البيانات مع الجهات المنتجة المختلفة من أجل الحصول على البيانات في الأوقات المناسبة والتي تلزم لقياس ومتابعة مؤشرات التنمية المستدامة.
-السعي للاستفادة من الدعم الفني المتاح من المؤسسات والمنظمات الاقليمية والدولية في مؤشرات التنمية المستدامة، خصوصاً مؤشرات المستويات (2) و(3) (Tier III, Tier II).
-زيادة ربط الأولويات الدولية بما فيها أهداف التنمية المستدامة مستقبلاً بأهداف الاستراتيجية التنموية الوطنية للبيئة.
-العمل مستقبلاً على توفير الحد الأقصى من إحصائيات إطار إحصاءات البيئة (FDES) والذي يعمل بدوره على تحقيق عدة أغراض من ضمنها مؤشرات أهداف التنمية المستدامة وأهداف الاستراتيجية التنموية الوطنية للبيئة.
-العمل مستقبلاً على توفير بعض بيانات قطاع ومؤشرات البيئة من خلال المسوح البيئية المتخصصة حيث يتعذر توفير هذه البيانات من السجلات الإدارية في الوقت الحالي.
-العمل مستقبلاً بالتعاون مع الجهات المصدرية على توفير قاعدة بيانات لقطاع ومؤشرات البيئة.
-زيادة وضع برامج بناء القدرات الاحصائية مستقبلاً في المجال البيئي لتأهيل وتدريب الكوادر الوطنية.
-زيادة استخدام الابتكارات والتكنولوجيا اللازمة مستقبلاً في مجال انتاج البيانات الإحصائية البيئية، مثل النمذجة الرياضية ونظام المعلومات الجغرافي وغيرها من التقنيات، لتساهم في حساب مؤشرات البيئة.
-زيادة وتيرة وتنويع أساليب المنشورات المتعلقة بقطاع ومؤشرات البيئة، حيث يتم حالياً نشر تقرير إحصاءات البيئة كل سنتين ونشرة إحصاءات البيئة كل سنتين بالإضافة لبعض النشرات الأخرى التخصصية.
-الانفتاح على التجارب الإقليمية والدولية، فيما يخص قطاع ومؤشرات البيئة وتبادل الخبرات والترحيب بالاستفادة من خدمات المنظمات الإقليمية والدولية في هذا المجال.
[1] شعة الإحصاءات في الأمم المتحدة. 2018. قاعدة البيانات الإحصائية. [اونلاين] متوفر على: https://unstats.un.org/home/ [تم الدخول 1 تموز/يوليو2019[.
[2] شعبة السكان التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمانة العامة للأمم المتحدة.2018. التوقعات السكانية في العالم. [اونلاين] متوفر على: https://population.un.org/wup [تم الدخول 27 حزيران/يونيو 2019[.
خالد الشطرات هو خبير بيئي في قسم إحصاءات البيئة، وزارة التخطيط التنموي والإحصاء في الدوحة - قطر.
إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية.
يعيد الانتقال إلى الرقمنة تشكيل الاقتصاديات والمجتمعات، إذ تعتبر الرقمنة للاقتصاد والتي تشهدها العديد من البلدان في العالم واعدة للغاية من ناحية تحفيز الابتكار وتوليد الكفاءات وتحسين الخدمات في كافة قطاعات الاقتصاد. وعليه، فقد أضحت الرقمنة شرطًا ضروريًا للنمو الشامل والمستدام والرفاه العام.[1]
يتم في بعض الأحيان تعريف "الاقتصاد الرقمي" بشكل ضيّق على أنه يشمل المنصات الإلكترونية على شبكة الإنترنت وأنشطتها الملازمة، ولكن، وبمعنى أوسع، فإن كافة الأنشطة التي تستخدم البيانات الرقمية هي جزء من الاقتصاد الرقمي. وبالتالي، وفي الاقتصادات الحديثة، يمكن أن يشكل الاقتصاد الرقمي جزءًا أساسياً من معظم اقتصاديات الدول، بدءًا من قطاع الزراعة إلى مجال البحث والتطوير.[2]
ولا يجوز حصر الاقتصاد الرقمي بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (ICT)، وتقوم العديد من البلدان بالاعتراف بأهميته لتعزيز القدرة التنافسية والنمو الاقتصادي وتحقيق الرفاه الاجتماعي. وعليه فلدى معظم بلدان منظمة التعاون الاقتصاي والتنمية استراتيجية رقمية قومية - باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية[1]؛ وتكون هذه الاستراتيجيات في معظم الحالات استراتيجيات شاملة ومشتركة عبر القطاعات المختلفة.[3][4]
ومع تزايد أهمية الاقتصاد الرقمي، أصبح من الضروري قياس مدى تقدّم الدول العربية نحو هذه الظاهرة المتصاعدة، وهناك العديد من المؤشرات القياسية على المستوى الدولي في هذا المجال، منها مؤشر تطبيق الرقمنة (Digital Adoption Index, 2016) الصادر عن البنك الدولي، ومؤشر التطور الرقمي (Digital Evolution Index, 2017) لكليّة فليتشر في جامعة تافتس، بالشراكة مع ماستركارد، ومؤشر الرقمنة (the Digitization Index, 2016) لشركة البحث BBVA Research، وتصنيف التنافسية الرقمية العالمي (World Digital Competitiveness Ranking, 2018) لمركز التنافسية العالمية (IMD World Competitiveness Center)، ومؤشر التمكين الرقمي (Enabling Digitalization Index(EDI) 2018) الصادر عن شركة أليانز وأولر هيرميس.
وفي الغالب تركّز هذه المؤشرات على جانبي العرض والطلب في الاقتصاد الرقمي، وتتضمن ثلاث جهات فاعلة رئيسية هي المواطنين والحكومة والقطاع الخاص. كما تتضمن أيضًا هذه المؤشرات قياسات تعكس الجوانب المؤسسية والتنظيمية للنظام البيئي الرقمي. ولكن تجدر الإشارة إلى أنه هناك بعض الإختلافات بين هذه المؤشرات، فعلى سبيل المثال، يضم مؤشر التطور الرقمي مؤشرات تتعلق بالابتكار. من ناحية أخرى، فنجد أن مؤشر التمكين الرقمي يختلف قليلًا عن باقي المؤشرات لأنه لا يقيس نتائج الرقمنة بل يركّز على الظروف التي تسمح للشركات بالتحول أو الازدهار الرقمي. كما يتم تعريف التنافسية الرقمية العالمية من قبل مركز التنافسية العالمية من خلال ثلاثة عوامل رئيسية (المعرفة والتكنولوجيا والجاهزية المستقبلية) لقياس قدرة البلد على تطبيق واستكشاف التقنيات الرقمية التي تؤدي إلى تحول في ممارسات الحكومة وخلق نماذج أعمال والتأثير على المجتمع بشكل عام.
وعلى المستوى الإقليمي، فنجد أيضًا أنّ هناك بعض الجهود لقياس الاقتصاد الرقمي. فعلى سبيل المثال قامت منظمة الإسكوا (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا) في الآونة الأخيرة بتقديم دراسة بعنوان "آفاق الاقتصاد الرقمي في المنطقة العربية" لقياس مدى تحول البلدان العربية نحو الاقتصاد الرقمي. ويستند الأسلوب المنهجي للدراسة على ستة عناصر (قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات: الابتكار والجوانب المالية؛ البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والقدرة على تحمل تكلفتها؛ القدرات البشرية والبحث العلمي؛ استخدام الأفراد وقطاع الأعمال والحكومات لأدوات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات؛ الأثر الاقتصادي؛ الأثر الاجتماعي). ولتحليل هذه العناصر، تم دراسة مؤشرين أساسيين، وهما مؤشر الجاهزية الشبكية (Networked Readiness Index) ومؤشر الابتكار العالمي (Global Innovation Index)، ذلك بالإضافة إلى الاستعانة بمؤشرات أخرى. وكذلك، تم إجراء تقييم مماثل لبعض بلدان المنطقة العربية (البحرين ومصر والأردن والكويت ولبنان وعمان وقطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة) من قبل معهد ماكينزي من خلال ما يسمى بمؤشر الرقمنة الصناعية (Industry Digitization Index) في عام 2016.
وبشكل عام، تؤول كافة هذه القياسات في معظم الحالات إلى النتائج نفسها. و يستند التحليل التالي على النتائج المقدمة في التقرير الذي نشرته مؤسسة (ICANN) في عام 2017 حول الاقتصاد الرقمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا مع إدخال بعض التعديلات المستندة إلى نتائج من مصادر أخرى.
يمكن تصنيف بلدان المنطقة العربية في ما يتعلق بالتقدّم الذي أحرزته نحو الاقتصاد الرقمي إلى أربع مجموعات أساسية، وذلك على الرغم من التنوع الاقتصادي والثقافي بين بلدان هذه المنطقة. وتقع بلدان مجلس التعاون الخليجي في المجموعة الأولى الأكثر تطورًا؛ وهي البلدان ذات الدخل المرتفع في المنطقة العربية؛ وتتمتع بنسب مرتفعة من نفاذ الإنترنت ومعدلات عالية من الإلمام بالقراءة والكتابة، وفي معظم الحالات معدلات منخفضة نسبيًا لبطالة الشباب. وتشمل المجموعة الثانية الأردن ولبنان، والتي تتمتع بنسب مرتفعة من نفاذ الإنترنت بفضل الطابع الحضري لهذين البلدين. وتشمل المجموعة الثالثة بلدان شمال أفريقيا ذات الدخل المتوسط الادنى (الجزائر ومصر والمغرب وتونس) وتتمتّع هذه البلدان بمستويات للناتج المحلي الإجمالي مماثلة لبلدان الشرق الأوسط، إنما تتدنّى فيها معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة ويصل عدد السكان غير المستخدمين للإنترنت فيها إلى 100 مليون مواطن. أما المجموعة الأخيرة فتشمل البلدان المتأثرة بالنزاعات، وهي اليمن والعراق وسوريا وفلسطين والسودان وليبيا والبلدان الأقل نمواً (جزر القمر وجيبوتي وموريتانيا والصومال).
تجدر الإشارة إلى أن المؤشرات لا تصنّف البلدان العربية بالترتيب نفسه ولا تؤول إلى النتائج ذاتها، فهناك بطبيعة الحال بعض الاختلافات. فنجد على سبيل المثال، أن الأردن قد تقدَّمت على الكويت في كلٍ من مؤشر الرقمنة ومؤشر التمكين الرقمي؛ إنما تم تصنيفها بعد تونس والمغرب في مؤشر تطبيق الرقمنة. ومثال آخر؛ نجد أن لبنان قد تجاوزه الأردن في مؤشر التمكين الرقمي وتم تصنيفه في المرتبة 90 بحسب مؤشر الرقمنة من بين 100 بلد حول العالم. كما أنه هناك فرق في عدد البلدان العربية المشمولة من قبل هذه المؤشرات. فعلى سبيل المثال، يشمل مؤشر التنافسية الرقمية 4 بلدان عربية فقط، كما يشمل مؤشر التطور الرقمي 6 بلدان عربية؛ ما يجعلهما الأقل شمولية من حيث عدد البلدان العربية المتضمنة.
ويقدّم مؤشر الرقمنة لمعهد ماكينزي (2016) تحليلًا أكثر تعمّقًا. وتشير نتائج هذا المؤشر إلى أنه من ناحية الطلب، يقود المواطنون رقمنة الشرق الأوسط وتعَدّ الإمارات وقطر والبحرين من بين أفضل البلدان في العالم في هذا الإطار، حيث تجاوزت نسبة نفاذ الهواتف الذكية الـ 100% ونسبة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الـ7% -وهي نسب أعلى حتى من الولايات المتحدة الأميركية. لكن يختلف الأمر بالنسبة إلى رقمنة القطاع الحكومي والأعمال؛ حيث تتوفر خدمات الحكومة الذكية الرقمية لـ 6% فقط من سكان بلدان الشرق الأوسط. إضافة إلى ذلك، تتأخر بلدان المنطقة بشكل كبير في مجال رقمنة قطاع الأعمال، مع قلة توفر رأس المال الاستثماري اللازم لتمويل الشركات الناشئة وانخفاض نسبة مشاركة القوى العاملة في المهن والصناعات الرقمية. وهنا أيضًا، جاءت دول مجلس التعاون الخليجي في المقدمة؛ حيث يوجد لديهم عدد شركات رقمية أكبر من تلك الموجودة في كل من مصر والأردن ولبنان. ومن جانب العرض، وعلى الرغم من تحقيق بعض بلدان المنطقة تقدمًا كبيرًا، إلا أن هذه البلدان لا زالت تواجه تحديات جمة لتوجيه جهودها نحو تشجيع الابتكار ودفع رقمنة القطاع العام إلى مستويات متقدمة. وتقود كل من قطر والبحرين جانب العرض والابتكار في المنطقة وذلك بفضل نسبة التغطية العالية لشبكات الجيل الثالث والأسعار المنخفضة.
وفي الختام، فإن المنطقة تعَدّ مستوردًا صافيًا ومستهلكًا للرقمنة بدلًا من كونها فاعلا أساسيا في تطوير أصول وخدمات الرقمنة. ولكن تظل الفرصة سانحة أمامها لجني ثمار التحول الرقمي عبر تضافر جهود الحكومات والقطاع الخاص والأفراد، ولا سيما في ظل الفجوة بين جانب الطلب من قبل الشباب العربي "الذكي رقميًا" وجانب العرض.
[1] تعتمد الولايات المتحدة الأمريكية نهجًا لا مركزيًا يحدّده السوق لاستراتيجيتها الرقمية.
[1] منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD)، 2017. القضايا الرئيسية للتحول الرقمي في مجموعة العشرين. تم إعداد التقرير من أجل مؤتمر مشترك بين رئاسة ألمانيا ومؤتمر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في برلين، في 12 كانون الثاني/يناير. [أونلاين]. متوفر على: https://www.oecd.org/g20/key-issues-for-digital-transformation-in-the-g20.pdf [تم الدخول 28 كانون الأول / ديسمبر 2018].
[2] صندوق النقد الدولي، 2018. قياس الاقتصاد الرقمي. تقرير الموظفين الذي أعده موظفو صندوق النقد الدولي وتم استكماله في 28 شباط / فبراير 2018. [أونلاين]. متوفر على: https://www.imf.org/~/media/Files/Publications/PP/2018/022818MeasuringDigitalEconomy.ashx [تم الدخول 28 كانون الثاني / ديسمبر 2018].
[3] منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD)، 2015. توقعات الاقتصاد الرقمي لعام 2015. [أونلاين] متوفر على: http://www.oecd.org/sti/oecd-digital-economy-outlook-2015-9789264232440-en.htm [تم الدخول 28 كانون الثاني/ديسمبر 2018].
[4] منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD)، 2017. توقعات الاقتصاد الرقمي لعام 2017. [أونلاين] متوفر على: http://www.oecd.org/internet/oecd-digital-economy-outlook-2017-9789264276284-en.htm [تم الدخول 28 كانون الثاني/ديسمبر 2018].
إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
تتميّز الأردن بمناخ جافّ وموارد مائية طبيعية محدودة. في العام 2013، وصلت موارد المياه العذبة إلى 750 مليون متر مكعّب وسعة السدود إلى 300 مليون متر مكعّب. تعتمد البلاد على معالجة مياه الصرف الصحي وتحلية المياه لسدّ النقص في سحب المياه السطحية والجوفية (وزارة المياه والريّ الأردنية).
تواجه الأردن عقبات كبيرة في تصديها للطلب على المياه من سكانها والذين زاد عددهم بنسبة 42 في المائة خلال العقد المنصرم (التوقعات السكانية في العالم). ويعود استهلاك المياه إلى حدّ بعيد من قبل الزراعة، حيث استهلك هذا القطاع نسبة 53 في المائة من المياه العذبة و62 في المائة من المياه السطحية و46 في المائة من موارد المياه الجوفية (2013). في عام 2013، قُدِّرَ نصيب الفرد من استهلاك المياه بـ 154 ليتر في اليوم في حين وصلت الموارد المائية المتجددة للفرد إلى 115متر مكعّب في السنة (وزارة المياه والري، 2017). إضافة إلى ذلك، لم تتعدَّ إمدادات المياه 902 مليون متر مكعّب للسنة ذاتها فيما قدِّر الطلب على المياه بـ 1,200 مليون متر مكعّب. في عام 2008، ولمعالجة هذه الفجوة، تم اعتماد الإستراتيجية الوطنية الأولى للمياه لفترة 2008 – 2022 وتبعتها إستراتيجية وطنية للمياه محدّثة لفترة 2016 – 2025. والإستراتيجيتان متكاملتان وتهدفان إلى تنفيذ مقاربة متكاملة لإدارة الموارد المائية القطاعية، وتحديث النظام التشريعي من أجل تعزيز الأداء، وإصلاح قطاع المياه المؤسسي من أجل تحسين الكفاءات الداخلية، وبناء القدرات المحلية (وزارة المياه والري).
وإضافة إلى زيادة قدرات التحلية ومعالجة مياه الصرف الصحي، فقد تمّ وضع خطط لمشروع نقل مياه البحر الأحمر – البحر الميت منذ عام 2005، لهدف تأمين 500 مليون متر مكعّب إضافي في السنة، مما يشكّل ما يصل إلى 30 في المائة من إمدادات المياه بحلول عام 2022.[1]
إن مشروع نقل مياه البحر الأحمر – البحر الميت هو مشروع مشترك مع إسرائيل وفلسطين وبإدارة البنك الدولي، وهو يتناول مشكلتين بيئيتين أساسيتين. ويقترح المشروع نقل المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت لتسوية مستويات المياه المنخفضة والتي تنذر بالخطر في البحر الميت، ولتأمين المياه العذبة للأردنيين من خلال عملية تحلية المياه، وذلك لتسوية أزمة نقص المياه. ومع ذلك، ثمة آثار بيئية يحذّر منها الخبراء مثال نوعية مياه البحر الميت وخصائصها البيوفيزيائية، والاضطرابات في النظام الإيكولوجي في وادي عربة، إضافة إلى مخاوف بشأن تلوث المياه الجوفية في حال حدوث أي فشل لعملية لنقل المياه المالحة. أضِف إلى ذلك "وجود مخاوف كبيرة لفقدان المواقع الأثرية والثقافية المهمة أو تدميرها" (البنك الدولي، 2014).
وكجزء من دراسة الجدوى الخاصة بالمشروع، تمّت دراسة عدة بدائل وتقييمها، مثال تحلية المياه من البحر المتوسط ونقلها إلى الأردن، وخط أنابيب من نهر الفرات في العراق وخط أنابيب من تركيا.
إن التصدي للآثار البيئية لتغير المناخ على مستويات البحر الميت وإمدادات المياه العذبة في الأردن أمر غاية في الأهمية. ومع ذلك، يجب النظر في الآثار البيئية لأي خطة والحدّ من خطورتها، وذلك نظرًا للتداعيات المُتوقَّعَة على البيئة وعلى سكان الأردن على حدّ سواء.
[1] وافقت الدول الثلاثة المستفيدة على دراسة جدوى المشروع.
هذه المدونة كتبت أصلًا باللغة الإنكليزية
المصادر:
تيريز الجميل مستشارة في البيئة والطاقة والإحصاء. عملت على مشاريع إنمائية في منطقة غرب آسيا تهدف إلى تعزيز القدرات الإحصائية للمسؤولين الحكوميين في جمع البيانات والتحقق منها وتحليلها والإبلاغ عنها، ووضع السياسات القائمة على الأدلة.
إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
تعتمد المغرب بشكل كبير على استيراد منتجات الطاقة، بحيث بلغت 19.3 مليون طن نفط مكافىء في عام 2015، وذلك لتلبية احتياجاتها من الطاقة. في عام 2015، جاءت غالبية إجمالي إمدادات الطاقة الأولية من واردات منتجات الطاقة المختلفة. وتصل نسبة اعتماد البلاد على الطاقة المتجددة إلى 8.9 في المائة من إجمالي الطلب على الطاقة. وتشمل مصادر الطاقة المتجددة في المغرب الوقود الحيوي والنفايات (78%)، والطاقة الحرارية الجوفية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح (12%) والطاقة الكهرومائية (9%) (الوكالة الدولية للطاقة). وُيذكر هنا أن المغرب تقوم بتوليد الكهرباء من الطاقة المائية منذ عام 1929 ومن طاقة الرياح منذ عام 2000.
في عام 2009، وضعت المغرب الاستراتيجية الوطنية للطاقة والتي تركز على زيادة نسبة توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة إلى 42 في المائة بحلول عام 2020. إضافة إلى ذلك، وخلال مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP22) الذي عقِد في المغرب في عام 2016، تعهد الملك محمد السادس بزيادة النسبة إلى 52 في المائة بحلول عام 2030، والتي تعزى نسب متساوية منها إلى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية.
وفي هذا الخصوص، قامت المغرب بالإلغاء الكلي لدعم الطاقة في عام 2015 وأطلقت مشروع "نور" الذي يهدف إلى توليد 2000 ميغاواط من الكهرباء من الطاقة الشمسية باستخدام الطاقة الشمسية المركزة والتقنيات الكهروضوئية (وزارة الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة). ويأتي المشروع كجزء من المشاريع المتكاملة للطاقة الشمسية في المغرب والتي تم اتباعها في عام 2009 وسيتم تنفيذها على مدى فترة خمس سنوات. ومن المتوقّع أن تعمل هذه المشاريع بكامل طاقتها وتصل إلى قدرتها الكاملة بحلول عام 2020، مما سيجعل المغرب وطنًا لأكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم. سيساعد توليد الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية على توفير 1 مليون طن نفط مكافىء من المنتجات النفطية و 3.7 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، سنويًا (مجلس مستقبل العالم، 2015).
يهدف البرنامج المتكامل لتوليد طاقة الرياح في المغرب الذي أُطلِق في العام 2010 إلى زيادة إنتاج الكهرباء من الرياح إلى 2000 ميجاواط بحلول العام 2020، ما يقدّم 6,600 جيجاواط ساعة من إنتاج الكهرباء السنوي. وتساعد زيادة إنتاج طاقة الرياح البلاد على تخفيض وارداتها السنوية من الطاقة بـقيمة 1.5 مليون طن نفط مكافىء وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بقيمة 5.6 مليون طن من مكافىء ثاني أكسيد الكربون (وزارة الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة).
ويشكّل توسيع قطاع الطاقة الكهرمائية والمتطوّر أصلًا جزءًا من هذه الإستراتيجية أيضًا. وهو يهدف إلى بناء منشأتَين كبيرتَين للطاقة الكهرمائية ومعامل صغيرة الحجم لتحقيق قدرة الـ 2000 ميجاواط بحلول العام 2020.
وينتقل المغرب، بانتهاء العام 2020، من بلد يعتمد على استيراد الطاقة إلى بلد ذات طاقة مستدامة وآمنة، مع مزيج متنوع لمصادر الطاقة وإمكانية محتملة لتصدير الكهرباء إلى الجزائر وأوروبا.
هذه المدونة كتبت أصلًا باللغة الإنكليزية
المصادر:
تيريز الجميل مستشارة في البيئة والطاقة والإحصاء. عملت على مشاريع إنمائية في منطقة غرب آسيا تهدف إلى تعزيز القدرات الإحصائية للمسؤولين الحكوميين في جمع البيانات والتحقق منها وتحليلها والإبلاغ عنها، ووضع السياسات القائمة على الأدلة.
إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
.
على الطاقة المتجددة أن تكون محورًا، وليس ملحقًا، في خطط تحسين نظام الطاقة في لبنان. ففي الوقت الذي حققت فيه بعض الدول اختراقًا للطاقة المتجددة بما يقارب نسبة 100%، لم يطمح لبنان للوصول لأكثر من نسبة 12% لتوليد الطاقة المتجددة في الفترة 2020-2030، وهو هدف متواضع وخاصة من الناحية االإقتصادية. أضِف إلى ذلك إلى أنه يُهمِل الظروف المثالية لتوليد الطاقة المتجددة في لبنان.
ومن الجدير الذكر أنّ واضعي السياسات في لبنان يواجهون مهمة صعبة حينما يتعلق الأمر بالتخطيط للطاقة. فمع الوضع الراهن للنظام الكهربائي، والذي يتحمّل فيه معظم السكان انقطاعًا في التغذية الكهربائية يوميًا والاعتماد على مولّدات الكهرباء الخاصة لتعويض النقص، يفضل صانعي القرار اختيار حلول سهلة وسريعة عوضًا عن التخطيط طويل الأمد.
ويتمثل الهدف الأساسي للحكومة في خطتها الحالية للطاقة في توفير التغذية الكهربائية على مدار الساعة للسكان على المدى المتوسط. إلا أن الخطة الحالية تتجاهل إمكانية أن تكون الموارد المتجددة جزءًا لا يتجزأ من مزيج الطاقة في لبنان وجزءًا رئيسيًا من الحل لنقص الطاقة فيه، وذلك عوضًا عن مجرد سياسية "تكميلية".
أما في ما يخص الخطة التي تقضي بالاعتماد على بواخر الطاقة المستأجَرة على المدى القريب، فهي لا تأخذ بعين الاعتبار التكلفة الضخمة التي تتطلبها. حييث من المتوقع أن تبلغ تكلفة البواخر 700 مليون دولار أميركي في السنة، بسعة 825 ميغاواط، كما من المتوقع أن تعمل لمدة ثلاث سنوات، وهي الفترة اللازمة للحكومة للاستثمار في محطات لتوليد الكهرباء بواسطة الغاز. إلا أنه وكما يبدو أن عملية المناقصة وحدها سوف تستغرق فترة عامين، ومرحلة البناء حتى أربعة أعوام، مما يعني أن المحطات الجديدة لتوليد الكهرباء بواسطة الغاز لن تعمل قبل عام 2024. وإذا ما افترضنا أن البواخر لن تعمل سوى لفترة أربع سنوات إضافية، فإن التكلفة الإجمالية ستصل إلى 2,8 مليار دولار أميركي. إلا أنه من الممكن، مقابل هكذا مبلغ ، بناء محطة متطورة للطاقة الشمسية، وفي مدة لا تتعدى السنتين، مما سينتج كمية الطاقة ذاتها التي ستنتجها البواخر وعلى مدى السنوات الـ 25 المقبلة، وليس على مدى أربع سنوات فقط.
ومما يناقشه بعض المشككين، أولًا، أن لبنان ليس لديه ما يكفي من الأراضي الملائمة لتحمّل توسع كبير في الطاقة الشمسية؛ وثانيًا، أن الشبكة، بحسب تكوينها الحالي، لا تستطيع تحمّل اختراق أعلى للطاقة الشمسية نظرًا للطبيعة المتقطعة للتكنولوجيا.
ولكن، وبخلاف الاعتقاد السائد، فإن لبنان يتمتّع بوفرة من الأراضي الملائمة. لقد شاركتُ في تأليف دراسة حديثة لبرنامج سياسات الطاقة والأمن في الجامعة الأمريكية في بيروت (AUB) والمجلس الوطني للبحوث العلمية (CNRS)، حيث وجدنا أن لبنان يمتلك مساحة لا تقل عن 60 كيلومترًا مربعًا من الأراضي الملائمة لمشاريع الطاقة الشمسية على نطاق المرافق ذات قدرة أكبر من 300 ميغاواط عند الذروة. تقع معظم الأراضي في شرق وشمال شرق لبنان، وهي مناطق تعد من بين المناطق الأقل نموًا في البلاد ويمكن أن تستفيد بشكل كبير من الوظائف التي سيتم خلقها كما ومن إمدادات الكهرباء على مدار 24 ساعة.
أما في ما يتعلق بالشبكة، صحيح أن تحقيق الطاقة الشمسية بشكل كامل يتطلب القيام بالتحسينات. إنما في كافة الأحوال، يجب تحديث الشبكة، وأن يقع ذلك ضمن الأولويات. وفي غضون ذلك، تستطيع الشبكة على الأرحج دعم مشاريع الطاقة الشمسية بسعة أكبر من تلك التي تفتح الحكومة بها باب المناقصات حاليًا.
وصحيح أيضًا أن لبنان غير قادر واقعيًا على الاقتراب حتى من نسبة 100% من الاختراق المتجدد في المستقبل القريب، كما سبق وفعلت دول مثل أيسلندا وكوستاريكا. إنما هذا لا يعني أن على لبنان التخلي عن الاستثمار في الطاقة المتجددة بشكل كامل.
يستطيع لبنان بشكل واقعي زيادة اختراق الطاقة المتجددة حتى 24% بحلول عام 2024 وذلك من خلال بناء مرافق للطاقة الشمسية الكهرضوئية بسعة 2500 ألف ميغاواط عند الذروة، في مرحلتين أو أكثر: تكتمل الـ 1000 الأولى بحلول عام 2020 والـ 1500 المتبقية بحلول عام 2024.
من خلال القيام بذلك، نستطيع حصر الحاجة لاستعمال بواخر الطاقة بسنتين أو ثلاث سنوات، مما يوفّر مليارات الدولارات على المدى الطويل. ومن شأن بناء الطاقة الشمسية الإضافية القضاء على الحاجة إلى توليد حوالي 500 ميغاواط من الكهرباء بواسطة الغاز، مما سيزيد بدوره من التوفير في التكاليف على مدى السنوات الخمس والعشرين المقبلة.
وهذا من شأنه أن يترك فوائد بيئية تتجاوز جودة الهواء والمناخ ا للانتقال من الغاز إلى الطاقة الشمسية، حيث تعاني بعض المواقع المزمع إنشاؤها حاليًا لمحطات جديدة تعمل بواسطة الغاز من مشاكل ملاءمة خطيرة. فموقع سلعاتا، على سبيل المثال، هو منطقة بحرية محمية ذات أهمية أثرية.
ومن خلال دمج السعة الشمسية المحتملة في خطة الطاقة الحالية، ومع إضافة سعة تخزين الطاقة لحلّ العجز في الطاقة على المدى القصير خلال النهار، قد يتمكّن لبنان من تحقيق هدفه المتمثل في توفير الكهرباء على مدار 24 ساعة بحلول عام 2025، وفي الوقت نفسه إنشاء نظام طاقة أنظف والقضاء على الحاجة إلى مولدات الديزل باهظة الثمن والملوثة.
http://www.executive-magazine.com/cover-story/let-the-sunshine-in
http://website.aub.edu.lb/ifi/publications/Documents/working_papers/20170808_solar_pvs.pdf
ورقة سياسة قطاع الكهرباء (2010)، وزارة الطاقة، الجمهورية اللبنانية، متوفرة باللغة العربية على الرابط التالي:
وباللغة الانكليزية على الرابط التالي:
http://s50.omsar.gov.lb/Docs/Strategies/NEstrategy_en.pdf
علي أحمد هو مدير برنامج سياسة الطاقة والأمن في الجامعة الأمريكية في بيروت.
إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي
في 21 آذار/مارس، وقّع أعضاء في 44 من أصل 55 دولة أفريقية على اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية الناشئة (CFTA)، في إشارة إلى ولادة أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم. الاتفاقية لا تزال في مهدها، حيث لا يزال عدد صكوكها القانونية (البروتوكولات والملاحق، إلخ) قيد التفاوض، ناهيك عن حاجتها للحصول على موافقة 22 دولة على الأقل. ومع ذلك، هل تفيد هذه الاتفاقية مصر؟ وعلى أيّ من الجبهات؟
عند الإجابة على مثل هذا السؤال، يجب أخذ عدد من النواحي بعين الاعتبار. كما يكون من الضروري تحديد أنه إذا تم إجراء التقييم على أساس الأسسالاقتصادية الاستاتيكية الصرف (مكاسب الرفاهية)، فمن المرجح أن تكون الفوائد ضئيلة على المدى القصير حيث ثمة مجموعة من العقبات التي لم تتم معالجتها بعد. وبالتالي، فإن تبنّي نظرة أشمل و أوسع يوضح أنه من خلال الانضمام إلى هذه الاتفاقية، فإن مصر سوف تكسب على الجبهة الجيوسياسية.
ويشير سجل إنجازات مشاركة مصر في اتفاقيات التجارة الحرة الإفريقية أن مصر - وعلى الرغم من المكاسب التجارية الضئيلة - قررت أن تكون جزءًا في أي اتفاق إقليمي، ربما لأسباب اقتصادية سياسية وجيوسياسية، بما في ذلك، بشكل أساسي، التعاون في القضايا المتعلقة بنهر النيل. ومصر هي عضو في السوق المشتركة لدول شرق إفريقيا والجنوب الإفريقي - الكوميسا (COMESA) منذ العام 1999 وذلك على الرغم من أن التجارة داخل أعضاء الكوميسا بلغت 1,6% فقط من إجمالي تجارتها ولم تتعدَّ الـ 4% بعد انضمام مصر إلى الكوميسا؛ حيث يعزى جزء كبير من هذه الزيادة إلى انضمام ليبيا، التي كان تتمتّع بمقدار ضخم من التجارة مع مصر، إلى الكوميسا في عام 2005. ومصر هي من بين الدول التي افتتحت منطقة التجارة الحرة الثلاثية (الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي – SADC، والكوميسا وجماعة شرق أفريقيا - EAC) والتي تم بناء منطقة التجارة الحرة القارية عليها. ولا تزال التحديات المرتبطة بعضوية الاتفاق الثلاثي سارية على مصر في حالة منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية ، إنما مع بعض التنقيح. على سبيل المثال، كان ثمة مخاوف من قيام جنوب إفريقيا بالاحلال مكان مصر من أسواق محددة، مثال أعضاء الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي (SADC)[1]. لا يزال هذا الخوف حقيقيًا في حالة منطقة التجارة الحرة القاريةا لافريقية ، على الرغم من عدم انضمام جنوب إفريقيا إلى منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية حتى الآن؛ إنما ذلك سيحدث قريبًا كما لمحالرئيس رامافوزا.
في حالة منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية ، ثمة تحديات إضافية مرتبطة بوجود عددٍ من الاقتصادات الكبيرة القوية، ومنها كينيا ونيجيريا. وعلى الرغم من تراجع هذه الأخيرة، لا يزال من المتوقع انضمامها قريبًا. وإضافة إلى ذلك، فإن مشاركة دول شمال إفريقيا (مثال المغرب وتونس)، إلى جانب ليبيا، من شأنه أن يضيف بعدًا أكثر تعقيدًا للوضع الجغرافي السياسي. فمشاركة المغرب وتونس قد تنطوي على فوائد محتملة ولكنها تشكل تحديات في المستقبل القريب. أما الفوائد المُحتملة، فقد تنشأ من توسيع مبادرات الاتحاد الأوروبي مع دول البحر الأبيض المتوسط من خلال اتفاقية أغادير وسياسة الجوار لتعزيز فكرة جيران الجيران، والتي تم طرحها مؤخرًا لربط الاتحاد الأوروبي بدول جنوب المتوسط (مثال مصر والمغرب وتونس) مع بلدان أفريقيا جنوبي الصحراء. ويمكن استكشاف الآليات كتراكم لقواعد المنشأ وكذلك سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية حيث تكون الإمكانيات كبيرة وخاصة في المنتجات الزراعية الصناعية.
ومع ذلك، فإن التحديات التقليدية المتمثلة في التنافس على الأسواق نفسها – نظرًا لأن هيكل الصادرات في مصر والمغرب وتونس شديد التشابه - قد ينطوي على مخاطر محتملة؛ لا سيما بالنظر إلى النجاح المتواضع لهذه البلدان في تعميق الإدماج في أطر المبادرات الإقليمية القائمة، مثال اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى (PAFTA) واتفاقية أغادير. مع ذلك، يبقى هذا الخطر ضئيلًا في ما يتعلق بمصر بسبب التوجّه المرتفع لتجارة المغرب وتونس نحو الإتحاد الأوروبي الذي يحوز على حوالي 60-70% من إجمالي تجارتهما، وبسبب ضعف تعاونهما داخل أفريقيا. على الرغم من ذلك، فإن اهتمام المغرب وتونس ببلدان أفريقيا جنوبي الصحراء يرتفع بشكل سريع على جبهتي التجارة والاستثمار، مما قد يشكّل تحديًا لمصر في المستقبل القريب.
إضافةً إلى ذلك، فإن العدد الكبير للبلدان المشارِكة في مثل هذه الاتفاقية، والتي تتمتع بهياكل اقتصادية ومستويات معيشية وظروف اقتصادية وسياسية وجغرافية متنوعة، سيستتبع، على الأرجح، عقبات عند وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل. ويبقى التخوف من أن الاستثناءات ستصبح هي القاعدة، بوجود ظروف متنوعة بهذا الشكل، وفي حال حدوث ذلك، سيتمّ استباق منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية . بالتالي، يجب اعتماد نهج الحذر العملي في المفاوضات بغية تفادي أي انتكاسات لهذه المبادرة.
على جبهة أخرى، من الجدير بالذكر أنه من غير المتوقع أن تعزز السوق الإفريقية الخام الواسعة الصادرات المصرية بالوتيرة المتصورة. وتظهر حقيقة السوق المشتركة لدول شرق إفريقيا والجنوب الإفريقي أن السوق، على الرغم من كونها واسعة وكبيرة، تعاني عددًا كبيرًا من حالات فشل السوق المتصلة بالبنية التحتية الضعيفة ومرافق النقل المحدودة والبلدان غير الساحلية والأنظمة المصرفية المتواضعة وانتشار الحواجز غير الجمركية، ممّا يجعل السوق الجغرافية الواسعة بمستوى السوق الاقتصادية الفاعلة المتواضعة عندما يؤخَذ بعين الاعتبار المستوى المعيشي المتواضع للكثير من البلدان الإفريقية. وقد شكّل الحماس للاتفاق الثلاثي والخطوات الجادة التي اتخذتها مصر، كما وبلدان أخرى، للمفاوضة على طرائقه علامةً جيدة، إنّما يجب إعادة النظر في إجهاضه قبل ولادته في سبيل منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية .
كما تجدر الإشارة إلى أن منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية أو أي اتفاقية تكامل إقليمي أخرى لن تضيف الكثير على الأرجح، في حال لم تتمّ المعالجة الملائمة والفاعلة لحالات فشل السوق. وتتضمّن منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية العديد من الطرق الرامية إلى التغلّب على حالات فشل السوق، بما فيها آلية لحل النزاعات وبروتوكولات مختلفة حول مسائل عديدة مثال قواعد المنشأ والاستثمار، إلخ. إلا أنه من المبكر جدًا الحكم على ما إذا كانت هذه الآليات ستصبح صالحة للتشغيل، نظرًا إلى أن تفاصيلها ليست واضحة بعد وطرق المفاوضات ليست محددة؛ مع ذلك، يرى بعض الخبراء أن هذه الأخيرة ستتبع نهج تعهّد فريد. ومع ذلك، وفي هذه المرحلة، سيكون من الإنصاف القول بأنها لن تكون مهمة سهلة.
ختامًا، يرسل انتساب مصر إلى منطقة التجارة الحرة القارية رسالةً واضحة بأن مصر إنما تقع في قلب أفريقيا. إلا أن استتباع المنافع الاقتصادية لا يزال معلّقًا على وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية وطرائقها التشغيلية، إضافةً إلى معالجة بعض حالات فشل السوق.
[1] أنغولا وبوتسوانا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وليسوتو ومدغشقر وملاوي وموريشيوس وموزمبيق وناميبيا وسيشيل وسوازيلاند وجمهورية تنزانيا المتحدة وزامبيا وزمبابوي.
أحمد غنيم أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة. وهو باحث في منتدى البحوث الاقتصادية للدول العربية (ERF) في مصر، وفي مركز البحث الاقتصادي والاجتماعي (CASE) في بولندا.
إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
الآن، بعد أن وقّع لبنان على أوّل اتفاقيّتيّ استكشاف وإنتاج للنفط والغاز في المياه البحرية، ستبدأ الشركات بالتحضير للمباشرة بأعمال الحفر في بداية عام 2019. وهذا إنجاز طال انتظاره، خاصة أن أول قانون متعلق بالنفط، أي قانون الموارد البترولية في المياه البحرية، صدر في عام 2010، ثمّ بدأت هيئة إدارة قطاع البترول اللبنانية بالعمل في عام 2012 لتنظيم شؤون القطاع. ولم يتم إصدار المرسومَين المتعلّقّين بتحديد الرقع ووضع نموذج اتفاقية الاستكشاف والإنتاج إلا بحلول شهر كانون الثاني 2017، أي بعد مرور أربع سنوات على صياغتهما. أما قانون الأحكام الضريبية المتعلقة بالأنشطة البترولية، والضروري لاستكمال النظام المالي النفطي اللبناني، فلم يتم إصداره إلا بحلول شهر تشرين الأول 2017، أي بعد مرور عامين على صياغة مشروع القانون الأول.
لقد استغرقت هذه العملية الكثير من الوقت في لبنان مقارنة بدول المنطقة، إذ إن مصر، على سبيل المثال، بدأت الإنتاج في حقل غاز ظُهر العملاق بعد مرور أقل من ثلاث سنوات على اكتشافه. لقد عانى قطاع النفط والغاز في لبنان كثيراً بسبب التأخيرات المتكررة خلال السنوات الماضية والمرتبطة إلى حد كبير بالأزمات الإقليمية. ولكن ذلك لا يعني أنّ الجمعيات المنشأة حديثاً وبعض الخبراء والسياسيين غير المطّلعين، يمكنهم الاستخفاف عند تقييمهم العمل الذي امتدّ على عدة سنوات والجهود الحالية الآيلة إلى استكمال الأسس القانونية للقطاع، والتي تشكّل شرطاً مسبقاً لنجاحه وإدارته واستثماره وتنظيمه بشكل جيّد.
تحتاج العديد من القوانين الأساسية إلى تشريع يعزّز أوّلاً الثقة في مناخ الاستثمار النفطي اللبناني، ويضمن ثانياً الشفافية أمام الشعب الذي هو بالنهاية المالك النهائي للموارد، ويقوم ثالثاً بإرساء أسس قانونية وحوكمة متينة لتشغيل هذا القطاع.
لقد بلغت حالياً أربعة قوانين مهمّة المراحل الأوّلية من العملية البرلمانية: وهي تشمل إنشاء مديرية الأصول البترولية وصندوق سيادي وشركة نفط وطنية، بالإضافة إلى قانون الموارد البترولية في الأراضي اللبنانية. تقوم اللجان الفرعية حالياً بدرس التشريعات المقترحة بتمعّن ودقّة. صحيح أن لبنان يمرّ بظروف مناسبة تعوّض عن السنوات التي ذهبت سدى، ولكن لا يجب أن يعتبر ذلك استعجالاً بوضع القوانين واعتمادها؛ إنّ نظرية المؤامرة هذه في غير محلّها. فقد قام مشرّعون لبنانيون يتمتعون بالكفاءة اللازمة بتحضير هذه القوانين على مدى أكثر من عامين.
من الضروري ألا يقع لبنان في فخ لعنة الموارد، وهي حالة تمرّ بها بلدان غنية بالموارد عندما يصبح نموها الاقتصادي وديمقراطياتها وتنميتها في حال أسوأ من البلدان التي لا تملك موارد مشابهة. إن الجمعيات المعنية والخبراء يسلطون الضوء على تلك المخاطر، وهم محقون، ولكن عليهم أن يدركوا أنه تم اقتراح هذه القوانين لحمايتنا من لعنة الموارد، ويجب أن ينتبهوا إلى نوع الرسائل التي يحاولون إيصالها إلى الرأي العام. لا يكمن الحل في وقف القوانين، بل في التعاون مع المشرّعين وفي إعطاء الملاحظات البنّاءة.
في ما يلي ملخص للقوانين الأربعة التي تناقشها حالياً اللجان البرلمانية مع شرح موجز حول أهمّيتها:
1. قانون مديرية إدارة الأصول البترولية:
سوف يُنشئ هذا القانون مديرية جديدة تابعة لوزارة المالية مع مهمّتين رئيسيتين. الأولى هي مساعدة وزير المالية على وضع تفويض الاستثمار الخاص بالصندوق السيادي والذي سيحتاج بعد ذلك إلى موافقة كل من مجلس الوزراء ومجلس النواب. ووفقاً لأفضل الممارسات المتبعة في جميع أنحاء العالم، يتكوّن تفويض الاستثمار من وثيقة فنية يعدّها خبراء من وزارة المالية، ويتضمّن مبادئ توجيهية عامة للصندوق السيادي في سياق سياسة الاقتصاد الكلي في لبنان، بما في ذلك درجة تحمّل المخاطر الخاصة بخيارات الاستثمار. إن دور الصندوق السيادي هو إدارة الأموال وليس تصميم السياسات المالية أو الاستثمارية. يهدف تفويض الاستثمار الذي يعدّه عالمياً صانعو السياسات لدى وزارة المالية ويقدّمه الوزير وتوافق عليه الحكومة ومجلس النواب، إلى ضمان تماسك الصندوق السيادي مع رؤية الحكومة المركزية للاقتصاد. أما الدور الثاني الذي تقوم به مديرية إدارة الأصول البترولية فهو التدقيق في الشركات العاملة في قطاع النفط لضمان تحصيل ضريبة الدخل بنسبة 20%. إنّ التدقيق في الأنشطة البترولية مسؤولية جديدة بالنسبة إلى لبنان، وينبغي تعيين الخبراء المناسبين لدعم وزارة المالية في عملية تحصيل الإيرادات.
2. قانون الصندوق السيادي:
أصبح عبء الدين في لبنان مرتفعاً جداً. وبحسب المبادئ الاقتصادية الأساسية، ينبغي تسديد الدين بالأموال الحكومية الفائضة قبل محاولة تحقيق عائدات أعلى في الأسواق المالية عندما تكون كلفة الدين عالية. ولكن لا ينطبق ذلك على سياق لبنان، بل إنه قد يكون خطيراً. ففي الواقع، لا تنجم مشاكل الدين المزمن وغياب الاستثمار في البنية التحتية وفشل الخدمات العامة والعجز السنوي المرتفع عن نقص في السيولة في النظام المالي، وبالتالي لا يشكّل استخدام الدخل من الأنشطة البترولية لتسديد الدين حلاً ملائماً.
يمكن للشراكة بين القطاعين العام والخاص أن تحلّ مشكلة البنية التحتية والخدمات العامة، في حين أن إلغاء الإعانات غير المنتجة وتحسين نظام تحصيل الضرائب يحلّ مشكلة العجز والدين المزمنة. كما أنه ينبغي تحويل الدخل الناجم عن الموارد غير المتجددة كالنفط إلى موارد مالية متجددة خارج الميزانية العامة والحفاظ عليها للأجيال القادمة، على ألا تُستخدم سوى وفق شروط صارمة وفي القطاعات الاقتصادية الصحيحة.
يتضمن المشروع الحالي لقانون الصندوق السيادي قواعد مالية خاصة بالإنفاق وصارمة للغاية. ينصبّ الجزء الأصغر من الإيرادات على التنمية والجزء الأكبر على الادّخار. يسمح هذا القانون بتخفيف عبء الدين فقط في حالة معيّنة وهي عندما تحوّل الحكومة مشكلة عجزها المزمن إلى فائض أولي مستدام للدين؛ الأمر الذي سيشكّل إنجازاً كبيراً في حال تحقّق. والأهم من ذلك، يضمن هذا القانون وضع آليات الضبط الإداري وفقاً لأفضل الممارسات المعتمدة للحوكمة، وتفاعل كل من مجلس إدارة الصندوق ووزير المالية ومجلس الوزراء والبرلمان والمدققين الداخليين والمدقّقَين الخارجيَّين ومديرية إدارة الأصول البترولية وإدارة الصندوق السيادي، من دون أن تتجاوز أي من هذه الجهات ولاية جهة أخرى. كما أنه يضمن الشفافية الكاملة من خلال نشر جميع التقارير إلكترونياً.
يستغرق تشكيل فريق محلي يتمتع بالقدرات والكفاءات اللازمة لإدارة مثل هذا الصندوق سنوات عديدة؛ لذلك ستكون لأيّ تأخير حالي انعكاسات سلبية كبيرة في المستقبل. يمكن أن تشكّل عشرات الملايين من الدولارات التي نجمت عن بيع المسوحات الجيوفيزيائية للشركات رأس مال أولياً لتشغيل الصندوق.
ولطالما كان لبنان دولة مقترضة، لذلك من الضروري الآن إطلاق ثقافة الادّخار. إن الخوف من بناء مؤسسات جديدة وزيادة عدد العاملين فيها والتسبب بإنفاق مسرف، أمرٌ مبرّر نظراً لضعف الحوكمة المعتمدة في لبنان. غير أنه لا ينبغي أن يدفعنا ذلك إلى البقاء مكتوفي الأيدي، بل عليه أن يشجعنا على إنشاء هذه المؤسسات وإدارتها بإطارها الصحيح.
3. قانون الشركة الوطنية للنفط:
لا يقوم هذا القانون بإنشاء الشركة الوطنية للنفط وإنما ينظّم إدارتها ويحدّد طريقة مشاركة الدولة الإضافية من خلال طريقة الـrightsback-in، أي المشاركة في حصّة من الحقول البترولية من خلال الأرباح المستقبلية للحقل وتحميل جميع المتطلبات المادية للإنتاج للشركات الأجنبية. فضلاً عن ذلك، يبدأ هذا القانون بجمع أصول النفط والغاز الحكومية في إطار كيان قانوني واحد. ينص مشروع القانون بوضوح على أنه سيتم إنشاء الشركة الوطنية للنفط وفقاً لقانون الموارد البترولية في المياه البحرية الصادر في عام 2010 والذي ينص على أنه يجب أن يتم إنشاؤها بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، وذلك بعد إثبات الجدوى التجارية وليس على الفور، كما اتهم بعض الخبراء غير المطّلعين. وهكذا، ومن خلال هذا القانون، ستتمكّن شركات النفط العالمية من معرفة الطريقة المعتمدة لمشاركة الدولة كمستثمر، إضافة إلى حصّتها في اتفاقية الإنتاج. إن الهدف من ذلك هو الشفافية في ما يتعلق بنيّة الحكومة في جولات الترخيص المستقبلية لأن طريقة مشاركة الدولة كمستثمر ستؤثر على حصة الشركات من عمليات الإنتاج المستقبلية.
4. قانون الموارد البترولية في الأراضي اللبنانية:
نظراً إلى أن قانون الموارد البترولية في المياه البحرية يغطي فقط أنشطة التنقيب والإنتاج في المياه، فمن الواضح أن هناك حاجة لإطار تشريعي خاص بالأنشطة البرية التي تختلف بطبيعتها عن الأنشطة البحرية، ما يحتّم ضرورة تنظيم هذه الأنشطة بشكل متكامل. ومن شأن هذا القانون أن يحدّد نطاق الأنشطة البرية، بما في ذلك التطوير والإنتاج ووقف التشغيل وملكية الموارد وطريقة استملاك الأراضي ومشاركة الدولة ودور الجهات الحكومية المختلفة وكيفية الحفاظ على أي تراث ثقافي أو تاريخي، بالإضافة إلى تغطية مسائل أساسية أخرى على غرار قانون الموارد البترولية في المياه البحرية.
فضلاً عن ذلك، سيساهم كل من قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، الذي تم إصداره العام الماضي، واقتراح قانون دعم الشفافية في قطاع البترول، وخطة الانضمام إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI)، في زيادة شفافية هذا القطاع.
لقد تخبّط الاقتصاد اللبناني خلال عقود طويلة للتغلب على مختلف العوائق الداخلية والخارجية التي اعترضت طريقه نحو النمو السليم، ولا يعكس حجمه الحالي سوى ربع إمكاناته الحقيقية. لذا، تكتسي القوانين المقترحة المتعلقة بالبترول أهمية كبرى إذ إنها تدفع لبنان قدماً نحو تحقيق هذا النهج الشامل بغية وضع النموّ مجدداً على مساره الصحيح، في إطار قانوني صلب وحوكمة رصينة. ويمكن أن يحقق لبنان هذه الرؤية لأنه يتمتّع بالمواهب والقدرات والكفاءات اللازمة لذلك.
طلال فيصل سلمان مدير مشروع الإصلاح المالي التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في وزارة المالية (الجمهورية اللبنانية). يمكن التواصل مع الكاتب عبر : talal.salman@undp.org
تم نشر هذا المقال في صحيفة الأخبار مسبقاً وقد تم إعادة نشره في البوابة العربية للتنمية بعد موافقة الكاتب.
إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.