لإعادة اكتشاف حلال المشاكل

أحمد زهران, 15 أغسطس/آب 2016

يبدو وكأن المشاكل المجتمعية – على قدر تعقيدها – تدفع المجتمعات المحلية على التفكير في حلول على المستوى ذاته من التعقيد، مما يحصر الجهات الفاعلة بفئة معينة من نخبة المهنيين المتخصصين القادرين على تقديم حلول ظاهرها معقّد. وعلى خلاف ذلك، أعتقد بأن المشاكل المعقّدة أو المتشعّبة في مجتمعنا هي في الأصل مشاكل أبسط متعلّقة بالنظرة الفردية لواقعنا المجتمعي. ينظر الأفراد – وبخاصة الشباب – إلى المشاكل المجتمعية على أنها خارج حدود قدرتهم وحركة تأثيرهم؛  ويعتبرون أن حلّها يقع على عاتق الحكومة، من خلال وزاراتها القائمة وساستها ذوي الخبرة. من هنا يشكّل التمكين الفردي، من خلال تقديم أمثلة ناجحة عن القنوات الفاعلة والتي يمكن من خلالها توجيه المجهود الفردي لمعالجة مشكلة مجتمعية، آلية هامة لتوسيع إشراك عدد أكبر من المواطنين في النشاطات المجتمعية. كما أنّ عملية التأثير على المواقف الفردية، كمقاربة، تساهم في توسيع رقعة المشاركة في إيجاد الحلول المجتمعية المناسبة لكل شخص يكون قادرًا على تقديم شيئًا جديدًا. ولكن للأسف، يفتقد مجتمعنا إلى كتلة مهمة من الأفراد الشباب الذين يرون أنفسهم قادرين على المساهمة في حلّ المشاكل ويعتبرون أنفسهم جزءًا من الحل ويثقون بقدرتهم على التأثير على الآخرين. عوضًا عن هذا المنحى الإشراكي، فإن الضغط الاجتماعي يجبر الشباب على التفكير  في استراتيجيات البقاء، والتي عادةً ما تؤدي إلى الهجرة نتيجة لدفعهم بعيدًا عن المشاركة الفاعلة في إدارة مجتمعاتهم من خلال السياسة وأطرها.

 

وأمام هذه الصعوبات الضاغطة، يبرز مجال ريادة الأعمال في المنطقة العربية كشكل من أشكال المقاومة السليمة للقنوات الإقتصادية والإجتماعية المتحكمة في مفاصل المجتمع والمغلقة أمام غالبية الشباب. ومن الهام التنويه هنا بأن بروز مجال ريادة الأعمال في بعض البلدان العربية لم يكن نتيجةً لتغيير أو تحسين الهيكليات الاجتماعية والاقتصادية والسياسات القائمة؛ فهذه الهيكليات لا تزال سائدة وهي تغذي مكوناتها التحكمية بالحدّة ذاتها تمامًا كفترة ما قبل الربيع العربي. فقد برز مجال ريادة الأعمال كنتيجة مباشرة لتغيّر النظرة الفردية، ولكي أكون أكثر تحديدًا، لتغيّر في نظرة الشباب إلى أنفسهم والمجتمع من حولهم، والأهم من ذلك لكيفية نظرهم او تقييمهم لقدرتهم على التأثير ولعالجة المشاكل التي تواجهها مجتمعاتهم. إلا أنّ ريادة الأعمال، كأداة، ليست متاحة بسهولة للغالبية المطلقة من الشباب في المنطقة العربية، وهي عادةً ما تكون متاحة كخيار أمام الأشخاص الأكثر تعليمًا في المجتمع والذين يمكنهم الوصول إلى الموارد بشكل أفضل. لا شكّ بأن مجتمعنا  يحتاج إلى المزيد من الأدوات المماثلة لريادة الأعمال من حيث قدرتها على الاستقطاب، وعلى هذه الأدوات أن تكون أكثر ملاءمة لفئة أخرى من الشباب الذين يتمتعون بمجموعة مختلفة من المهارات أو الإهتمامات. وكما أشرنا سابقًا، نحتاج إلى أدوات قادرة على إشراك الشباب في مشاكل مجتمعهم بطريقة تمكنهم من أن يكونوا جهات معنية وفاعلة في الحل، وتشمل هذه الأدوات الفنون والعمل الاجتماعي وغيرها من المجالات.

 

وأودّ هنا أن أقدم مثالًا من خلال خبرتنا في "كارم سولار"، وفي ما يختص بمشكلة التمويل والتي هي إحدى المشاكل الشائعة التي تواجه الشركات المبتدئة في مصر والمنطقة. حيث كان يسعى أي مشروع ناشئ، وبحكم الممارسة الشائعة في المنطقة، وراء رجال أعمال وأهم المستثمرين المحليين طلبًا للتمويل. لم يكن هؤلاء المستثمرون يقدّمون التمويل المطلوب وحسب، بل ويساهمون أيضًا في توفير شبكات معارفهم ونفوذهم المحلي. إلا أن النتيجة كانت أنّ نخبة من رجال الأعمال نجحت وازدهرت على حساب رواد الأعمال، وبما أنه كان يُنظَر إلى النخب الاقتصادية على أنهم يشكّلون المفاتيح الرئيسية لإنجاز ما يجب إنجازه، فقد كان من الشائع أن يعمل الشباب لحساب هذه الفئة في شركاتهم "القائمة على الشخص الواحد"، عوض توجههم الى إنشاء أعمال تجارية خاصة بهم. أمام هذا الواقع،  عزمنا في" كرم سولار" على التركيز على الحكم الصالح والتشاركي والإجراءات السليمة، وما تبع ذلك من تغيير  في مقاربة مشكلة التمويل. وبناء عليه، اكتشف فريق العمل بأنه ثمة مصدر بديل للتمويل والذي نادرًا ما يتم استغلاله، وهو التوجه نحو المهنيين الشباب. وأعني بالمهنيين الشباب هؤلاء الذين عملوا في شركات عالمية لبعض الوقت، واستطاعوا من خلال عملهم أن يجمعوا بعض المدخرات ولكنهم يرغبون باستثمارها بطريقة مجدية، بعيدًا عن الإستثمارات التقليدية الأقل إثارة للإهتمام في العقارات أو البورصة. وقد أثبت هذا الباب التمويلي الذي طرقتهـ "كرم سولار"بأنه فعّال بالنسبة للشركة وأيضاللمستثمرين الشباب، فقد ساعدنا هذا التوجّه على تفادي "المشاريع القائمة على الشخص الواحد" من خلال فريق متنوع من المستثمرين، وكذلك وفّر  لمستثمرينا فرصة المشاركة في تشغيل اسستثماراتهم بشكل جيد. فضلا عن ذلك، أثبتت لنا هذه التجربة بأن للشباب قوة لا يُستهان بها، ولكن غالبًا ما يتمّ التغاضي عنها حين يتم اعتماد المقاربة التقليدية في ممارسة الأعمال التجارية والتي أثبتت التجارب محدوديتها. وبناء على ما سبق، فإن الشباب بتنا نعرف عبر التجربة بأن الشباب يملك القدرة على العمل بروح الفريق وأنه مستعد للمساهمة في المشاريع الناشئة من خلال خبراتهم إن سنحت لهم الظروف وأتتهم الفرصة المناسبة.  تبقى "كرم سولار"، وحتى اليوم، وبعد مرور خمس سنوات على عملها، ممولة بشكل رئيسي من قبل المهنيين الشباب في مصر.

 

أنتمي إلى هؤلاء الشباب  الذي يعدّون المشاكل والعقبات على أنها فرصٌ وتحديات، لأنها تعطينا المجال لحلها. وعند طرح كل حلّ، ثمة إمكانية لصياغة مشروع جديد، مما يشكّل نافذة لفرص عمل جديدة وقيّمة. هؤلاء الشباب، حلالو المشاكل، هم مضيفو المعنى والقيمة لاقتصاداتنا ومجتمعاتنا؛ ولذلك فمن المهم أن نتبنّى المبادرات التي تساعدهم على تطوير مهاراتهم في صياغة الحلول الملائمة لكل مشكلة بعيدا عن مظاهر تعقيدية.

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 

أحمد زهران​ هو المدير التنفيذي وأحد مؤسسي كرم سولار، وهي شركة مساهمة مصرية تأسست عام 2011، تعمل في مجال الابتكارات الشمسية خارج الشبكة. حاصل على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية في القاهرة، وماجستير العلوم في الاقتصاد من جامعة كلية لندن للدراسات الشرقية والأفريقية، ودبلوم في الفلسفة والأدب من الكلية الأوروبية للآداب في برلين، وشهادة في مجال ريادة الأعمال الاجتماعية من مدرسة ستانفورد للأعمال.​

 


إنّ كافة الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي البوابة العربية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

أحمد زهران أحمد زهران

الأكثر قراءة