الأسواق المالية العربية: الأسهم والسندات المقفلة للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم – الجزء الثالث

وفيق جريس, 05 مارس/آذار 2015

يهدف الجزء الثالث من هذه السلسلة المؤلّفة من ستّة أجزاء إلى فهم بطريقة أفضل صفتين تتميز بهما أسواق الأسهم العربية. بشكل خاص، سبب هيمنة الأسهم المقفلة على السوق العربية، وكيفية استخدام بعض الحكومات العربية لأسواق الأسهم لتعزيز تنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.

 

التداول الحرّ والأسهم المقفلة

 

إنّ إمكانية تداول أسهم شركة مدرجة هي ميزة أساسية لأسواق الأسهم المتطوّرة، وتسمح بأن تعكس الأسعار قيمة شركة ما. وتنعكس سيولة السوق المالية في هوامش صغيرة، في حين تضمن الكميات الكبيرة من المعاملات لكلّ سهم إمكانية تداول المشاركين في السوق. وتشير هذه الميزات إلى مدى التداول الحرّ، ووجود مستثمرين مؤسساتيين.

 

وفي العديد من البورصات العربية، تكون نسبة الأسهم غير المقفلة أو الحرّة في الشركة الواحدة محدودة. وبالتالي، تتوسّع الهوامش، ويزداد تقلّب الأسعار، وتصعب عملية التداول، مما يؤدّي إلى أسعار لا تعكس قيمة الشركة. وهناك نسبة معقولة من التداول الحرّ في الكويت، وتونس، والإمارات العربية المتّحدة، في حين تبقى خجولة في بلدان أخرى خارج مجلس التعاون الخليجي. وغالبًا ما تكون عمليات التداول الحرّ الخجولة نتيجة بقايا أسهم كثيرة مملوكة من الدولة في شركات مخصخصة جزئيًا، أو أسهم عائلية كثيرة في شركات دعمت محفّزات الضرائب فيها عمليات الاكتتاب العام والصغير للأسهم.[1]

 

وعلى الرغم من الأسهم الحرّة المحدودة، تشهد في الواقع جميع الأسواق المالية الإقليمية مشاركة مستثمري التجزئة المباشرة والمهمّة، على عكس الأسواق المتطوّرة حيث يؤدي المستثمرون المؤسساتيون دورًا مهيمناً. مثلاً، بحلول تشرين ثاني/نوفمبر 2013، 46 في المئة من المستثمرين في بورصة مصر كانوا مستثمري تجزئة.[2] وعلى الشركات المستثمر فيها أن تكون منفتحة وشفافة تجاه المستثمرين المؤسساتيين، الّذين يساهمون في خفض تقلّب الأسواق، الأمر الّذي يساهم في تحسين حوكمة الشركات. ووفقًا لذلك، يمكن أن تستفيد الأسواق المالية العربية من دور أكبر للمستثمرين المؤسساتيين وتعويم أكبر للأسهم.

 

تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم من خلال أسواق الأسهم

 

لطالما شكّل تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم أولوية وتحديًا للبلدان العربية. وحاولت بعض البلدان أن تيسّر تنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم من خلال زيادة فرص الحصول على التمويل عن طريق الأسهم المالية. وتتمتّع بورصة الدار البيضاء بنظام ثلاثي، مع أسواق أساسية وتطوير ونمو، تتمتّع كلّ منها بمتطلّبات مختلفة للادراج تكون أقلّ صرامة للشركات الصغيرة. على سبيل المثال، على الشركات الصغيرة أن تكون قد دققت في حساباتها لعام واحد فقط لإصدار 10,000 سهم فقط، ويحب أن تتمتع برأسمال يبلغ على الأقلّ 10 مليون درهم مغربي (الجدول 3).[3] وتؤمّن البورصة التونسية أيضاً إدراجات ثلاثية، مع متطلبات إدراج مختلفة لتسهيل إدراج الشركات المختلفة الحجم.

 

ولتشجيع عمليات الاكتتاب العام الأولي للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في مصر، أنشأت البورصة المصرية، في أوكتوبر 2007، مجلسًا متميّزًا ومنفصلاً، بورصة النيل (نايليكس)، لإدراج الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. ويوفّر نايليكس قواعد إدراج أكثر مرونة بشأن العدد الأدنى للمشاركين في الاكتتاب العام وللأسهم الصادرة، والتدقيق (البيانات المالية السنوية فقط)، والتاريخ المالي، ورسوم الإدراج. وعلى الرغم من هذه التغيّرات، تسع شركات صغيرة ومتوسطة الحجم فقط قد اندرجت في نايليكس منذ نهاية عام 2009، وما من شركة قد رفعت أسعار أسهمها عبر اكتتاب عام أوّلي. ولكن ارتفع عدد الشركات المدرجة في نايلكس بحلول أغسطس 2013 إلى 23، مع رسملة بورصية بنحو 145 مليون دولار بمعدّل 6.3 مليون دولار للشركة الواحدة، تتراوح بين 2 مليون دولار و18 مليون دولار. أمّا عالمياً، فبقي من الصعب حثّ الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم على رفع أسعار أسهمها من خلال عمليات اكتتاب عام أوّلي.

 

ينظر الجزئين التاليين (الرابع والخامس) من هذه السلسلة المؤلّفة من ستّة أجزاء في هيكلية الأسواق ذات الدخل الثابت في بلدان مجلس التعاون الخليجي والدول العربية غير الخليجية.     

 

لقراءة الجزء الأول، الجزء الثاني، الجزء الرابع، الجزء الخامس، الجزء السادس

 

هذه المدونة كتبت أصلاً باللغة الانكليزية

 


[1] في بعض الأحيان، تكون المكاسب المالية لتدوال الأسهم غير خاضعة للضريبة، وبيع شركة عبر الاكتتاب العام الأولي غير خاضع للضريبة أيضاً، في حين أنّ بيعها خارج السوق يخضع للضريبة.

[3] يعني ذلك توفّر رأسمال يبلغ 1.21 مليون دولار إذا ما اعتبرنا أنّ سعر صرف 8.28 درهم هو دولار واحد

 


وفيق جريس مستشار دولي متخصص في التمويل الإسلامي، التنظيم المالي، تمويل الاستثمار، إدارة الأسهم الخاصة، وحوكمة الشركات مع خبرة عالية في الشركات الصغيرة والمتوسطة وتمويل النمو الأخضر. كان أحد مؤسسّي ورئيس مجلس إدارة Viveris المشرق، وهي شركة خدمات للاستشارات المالية ومقرها القاهرة، متخصصة في استثمارات الأسهم الخاصة في الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومرخصة من قبل الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر. قضى 28 عامًا في مجال التمويل الدولي لا سيّما مع البنك الدولي في واشنطن العاصمة، حيث شغل العديد من المناصب العليا في كل من العمليات وعلى مستوى الشركات. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

وفيق جريس وفيق جريس

الأكثر قراءة